مع إطلالة وجه رئيس الوزراء ناريندرا مودي الباسمة، عبر آلاف اللوحات الإعلانية، تزدهي نيودلهي عاصمة الهند في ألق ما بعد قمة مجموعة العشرين، الحدث الذي يعتقد كثيرون أنه كلف أربعة أضعاف المبالغ المدرجة في الميزانية.
ومع ذلك فإن التساؤلات الكثيرة حول ميزانية الحدث لا تقلل من حجم إنجاز الحكومة الهندية في تحقيق المستحيل، ليس فقط من خلال بناء التوافق في الآراء بين الصين وروسيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية بشأن الإعلان السياسي وإعادة إحياء مجموعة العشرين المتعثرة، ولكن أيضا من خلال توقيع اتفاق باهظ التكلفة وعابر للجغرافيا، سيبني ممرا اقتصاديا من الهند، عبر السعودية، إلى أوروبا ثم إلى الولايات المتحدة.
وقبل عقد القمة توقع كثيرون أن لا تتكلل بالنجاح، بسبب غياب الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكن القمة أثبتت أنها أكثر إنتاجية بكثير مما توقعه كثير من خبراء السياسة الخارجية في الهند وخارجها. واعتقد البعض أن غياب الرئيس الصيني وتمثيل الصين من قبل رئيس وزرائها أفسح المجال أمام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وقدم في الوقت عينه التماسك اللازم لنجاح القمة.
وكعادته، استمتع رئيس الوزراء مودي بهذه الظروف. وبدعم كامل من الرئيس جو بايدن، نجحت الهند في تحقيق المستحيل، ألا وهو الحصول على توافق بشأن الإعلان السياسي من جميع الدول المشاركة. لذلك فإن تحقيق هذا الإنجاز أكد عاملا مهما، وهو تحول ميزان القوى في العالم إلى آسيا.
وما كان لشيء أن يوضح هذا التحول أكثر من الزيارة الرسمية التي طال انتظارها لولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى نيودلهي، والتي أعطت معنى غير مسبوق للقمة؛ إذ وقع ولي العهد اتفاق الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، الذي خفف من بريق مبادرة الحزام والطريق (BRI) التي تفخر بها الصين كثيرا. ومن خلال إعادة النظر في طرق التجارة القديمة لأوروبا والشرق الأوسط مع الهند وإحيائها، فإن من شأن ممر النقل والاقتصاد هذا أن ينعش النمو في هذه المنطقة ويعيد تنظيم الاقتصاد العالمي.
ومن المثير للاهتمام أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رحب بهذا المشروع، حيث ادعى أنه سيساعد روسيا أيضا. وعلى الرغم من تشكيك الكثيرين في مزاعم بوتين فإن الشكوك لا تقتصر على روسيا، بل تمتد أيضا لتشمل ادعاء الولايات المتحدة بأنها بدورها ستكسب من هذه الاتفاقية العابرة للقارات، وسخر البعض من الحماسة التي تبديها الولايات المتحدة لهذا المشروع، معتبرين أن واشنطن تحاول اللحاق بالركب بعد فوات الأوان.