النقد السينمائي في السعودية: ترف أم ضرورة؟https://www.majalla.com/node/299956/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D9%81-%D8%A3%D9%85-%D8%B6%D8%B1%D9%88%D8%B1%D8%A9%D8%9F
الرياض: تحت عنوان "التقنية وتجربة مشاهدة الفيلم" نظمت هيئة الأفلام بالتعاون مع جامعة تبوك يوم الخميس 7 سبتمبر/أيلول 2023 فعاليات "ملتقى النقد السينمائي الرابع"، في إطار سعي الهيئة إلى تحفـيز الحركة النقدية والبحثية في مجال الإبداع السينمائي وإثــراء المعرفــة البصرية في صناعة السينما.
قدّم الملتقى سلســلة مــن الورش وجلسات الحوار حول بعض العروض السينمائية، واستضاف نقادا ومصمّمين في الإبداع السينمائي وتقنياته. حيث كان من أبرز النقاد السعوديين المشاركين في الملتقى الدكتورة عفت فدعق، والدكتور عبد الله العقيبي، والناقد عزيز محمد، إلى جانب بعض ضيوف الملتقى من المختصين في تقنيات صناعة الصورة السينمائية ومؤثراتها من كندا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية.
ما الذي يجعل النقد السينمائي يتخذ هذه الأهمية، في سياق نهضة السينما في المملكة العربية السعودية، سؤال طرحته "المجلة" على الناقدَين الدكتورة عفت عبد الله فدعق، وعزيز محمد.
فقد الناقد سلطته إلى حد كبير في العصر الرقمي، إذ بات المشاهد يمتلك مرجعية نقدية مختلفة، لا تعتمد بالضرورة على معرفة تأسيسية ومهارات تحليلية، بل تميل أكثر إلى لغة الأرقام وطرق كسب التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي
عزيز محمد
يرى عزيز محمد أن النقد السينمائي هو إبداع مواز لصناعة السينما، ومع ذلك "فمن الصعب رصد هذه القيمة اليوم مقارنة بالسابق، بل يمكن القول إن الناقد فقد سلطته إلى حد كبير في العصر الرقمي، إذ بات المشاهد يمتلك مرجعية نقدية مختلفة، لا تعتمد بالضرورة على معرفة تأسيسية ومهارات تحليلية، بل تميل أكثر إلى لغة الأرقام وطرق كسب التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات يوتيوب وغيرها، ونتيجة لذلك تراجع فضول البحث عن تحليلات وآراء خارج سياق هذه المرجعيات التي تسطّح عناصر الفيلم وتتجنب مناقشته بعمق، فضلا عن تراجع الاهتمام بنظريات السينما وفلسفاتها. يمثل هذا أبرز التحديات التي تواجه النقد السينمائي اليوم، وليس من المبالغة القول إنه فن يعاني أزمة. أعتقد أن أهمية مثل هذه الملتقيات تكمن هنا، في كونها حركة مقاومة ضد هذه الأزمة، تتشابك مع المشاهد مباشرة وتدفعه إلى التفكير في السينما بطرق جديدة، كما تدفع الناقد إلى إعادة التفكير في علاقته بالمشاهد اليوم".
أما الدكتورة عفت فدعق فترى أن "قراءة العمل الفني قراءة تحليلية تعدّ جزءا لا يتجزأ من صناعة السينما وتتطلّب وعيا معرفيا كبيرا ومرتبطا بتاريخ السينما والفن السينمائي، بالإضافة إلى أهمية وعي الناقد ومعرفته بالفلسفة والاجتماع والتاريخ الإنساني ليتسنى له الربط التحليلي وقراءة العمل الفني في أوجهه المختلفة التي قد لا يكون المشاهد على دراية بها، وهذا بدوره يضيف إلى فهم الإدراك الفني للفيلم السينمائي".
تحدّي التقنية
حيال التحدّي الذي تطرحه التقنية على صناعة الفيلم العربي والسعودي، يجيب عزيز بالقول: "أثناء حوارنا عن فيلم "بلايد رانر" (1982) طرح أحد الحضور سؤالا مهما عن قدرتنا على صناعة فيلم مثله اليوم. الفيلم الذي تدور أحداثه في مستقبل ديستوبي يتتبع شخصية ضابط شرطة من وحدة خاصة، يلاحق الروبوتات ويحيلهم على التقاعد طمعا في المكافأة، لكن تنتهي به الحال إلى التساؤل عن أخلاقية ما يفعله بالنظر إلى مدى بشرية هذه الروبوتات وشبههم به، بل وتفوقهم عليه بالذكاء والقدرة على امتلاك المشاعر"، ويضيف محمد: "تجربة مشاهدة هذا الفيلم لا تزال مرتبطة بتساؤلاتنا اليوم عن كيفية الافادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وما يتبع ذلك من معضلات أخلاقية. والحقيقة أننا لا نزال في مرحلة عدم اليقين تجاه التحديات التي تطرحها هذه التقنيات الجديدة، ولا يزال الوقت مبكرا على إدراك طريقة اندماجنا معها ومدى اتكالنا عليها في المستقبل. لكن من المهم أن نخوض في شأنها حوارات مستمرة ونراجع ونحدّث ونتحدّى التصورات السابقة، لكي يتبلور فهمنا ويرقى وعينا بكيفية استخدام التقنية سواء على مستوى تجربة مشاهدة الفيلم أو صناعته".
التحدّي الأساسي لصنّاع الأفلام في المملكة العربية السعودية هو الاطلاع على تاريخ الفيلم وفهم دور التقنية التي لا تعتمد بشكل أساسي على مدى إتقان تلك التقنية، وانما تعتمد على ما يقدّمه الفيلم من رسالة
عفت فدعق
في السياق نفسه، ترى الدكتورة عفت فدعق أن ثمة علاقة قوية بين التقنية والصورة: "ارتبطت التقنية بصورة مباشرة بالفيلم تاريخيا، بداية مع الأخوين لوميير، باعتبار أن التطور السريع في التكنولوجيا حدث يمكن الافادة منه وتوظيفه، فاهتمّ صناع الأفلام بالغوص على التجارب التقنية لتقديم كل ما هو جديد من جهة الصورة والسرد ومعالجاته بصورة مبتكرة تحقّق أهداف الفيلم السينمائي. فالتحدّي في الإيرادات هو التحدّي نفسه المرتبط بتقديم القيم الجمالية الإبداعية للفيلم بشكل عام. والتحدّي الأساسي لصنّاع الأفلام في المملكة العربية السعودية هو الاطلاع على تاريخ الفيلم وفهم دور التقنية التي لا تعتمد بشكل أساسي على مدى إتقان تلك التقنية، وانما تعتمد على ما يقدمه الفيلم من رسالة يحاول إيصالها الى المشاهد ليكون للتقنية دور أساسي في هذه العملية. بالتالي يمكن توفير قاعدة لاستكشاف المواهب والأفكار الجديدة التي تدفع حدود السرد والابتكار إلى تطوير أسلوب سينمائي سعودي مميّز".
تؤكّد د. فدعق قوّة استثمار المؤثّرات البصرية في علاقتها مع عناصر البيئة المحلية في المملكة وما تقترحه تلك العناصر من خيارات متعدّدة في التجريب السينمائي لدى صنّاع الأفلام في السعودية: "تؤدّي المؤثّرات البصرية واستثمار عناصر البيئة المحلية، دورا مهما في تطور صناعة السينما السعودية وذلك لمساهمتها في تعزيز جودة السرد السينمائي وإضافة طبقات من العمق والتفاصيل على القصة مما يجعلها أكثر جاذبية وتأثيرا في الجمهور. فاستخدام عناصر البيئة المحلية يساعد الجماهير الدولية في التعرّف إلى التراث الثقافي السعودي، في حين يخلق استخدام التقنيات عامل جذب وخلق فرص كبيرة للمواهب للاستثمار والتفاعل مع هذا القطاع الفني الذي يزيد بشكل كبير تفاعل الجماهير، ويعزّز تاليا الاقتصاد المحلي من خلال توظيف المحترفين في المجالات المختلفة المرتبطة بتصميم الديكور والأزياء والفنون وغيرها. كما تكمن أهمية ذلك في تقديم فهم أعمق للثقافة والتاريخ السعوديين إلى المجتمع المحلي والدولي معا، الذي بدوره يمكن أن يكون لبنة لبناء علاقات تعاونية محلية ودولية".
خصوصية محلية
أما عزيز محمد فيتحفّظ عن مسألة عمق تعبير عناصر البيئة المحلية للمملكة في مؤثّرات صناعة الأفلام السعودية، أقلّه في الوقت الراهن من عمر السينما في المملكة: "لا أعتقد أن الأفلام السعودية قاصرة عن إدراك فرادة البيئة المحلية وإمكانات استغلالها سينمائيا، لكن يبدو أن هذا حتى الآن لا يتجاوز السطح. فطالما لم يصل التجريب إلى بقية عناصر السرد السينمائي، فإن منح البطولة للمكان لا يكفي لصنع عمل متجاوز، وسيبقى حضور البيئة المحلية في حدود السياحة البصرية. هذا يتفق مع نتائج دراسة أعددتُها بعنوان 'حضور الصحراء في تجربة السينما السعودية'، تناولتُ فيها أفلاما سعودية عدة بالتحليل وخلصتُ إلى أن تلك الأفلام أفادت من دلالات الصحراء في الأدب والفنون والثقافة الشعبية، لكن الأفلام التي وظفت كل جماليات الصحراء بصريا هي بالتحديد التي افتقرت إلى النضج والمغامرة الفنيين، إذ جاء ذلك على حساب بقية عناصر الفيلم وأصبح عائقا ضدّ التجريب".
وحول إقامة منتدى متخصص بالنقد السينمائي، يذكّر عزيز محمد بأن النشاط النقدي بدأ قبل انطلاق النشاط السينمائي "لكن تنظيمه وتقديمه على شكل ملتقيات دورية وفي رعاية رسمية هو أمر فارق، لأنه يرسخ الحضور النقدي وينزع عنه عبء التفاعل وهوس لغة الأرقام ورهاب النخبوية، خاصة في ظل فتور الحركة النقدية عالميا وخضوعها في جزء كبير منها لهذه المتطلبات".
سؤال هل فنّنا يشبهنا أم لا يشبهنا، هو أحد أكثر الأسئلة المضلّلة في النقد السعودي، وأشدّها إضرارا بالإبداع. فكل ما ينتج من هذا السؤال هو محاكاة لما نعتقد أنه هوية سينمائية سعودية
عزيز محمد
فيما تفسّر د. فدعق تأخّر انطلاق النشاط السينمائي في السعودية بالأسباب الآتية: "عندما بدأ النشاط السينمائي في السعودية كان هناك حاجة أساسية الى تطوير البنية التحتية للصناعة وذلك لعدم وجود كليات متخصّصة ترعى هذه الصناعة وتخرّج محترفين في مجالات متعدّدة مثل الإخراج والتصوير وتصميم الإنتاج. كما لم يكن هناك أوعية لتقديم الفن الإبداعي للصناعة نفسها التي تشمل دور عرض سينمائي، فكان الأساس هو تقديم تلك البنية التأسيسية بشكل مباشر. كما كان من الأساس إنشاء قاعدة فنية ترعى الممثلين والمخرجين والنقاد وتفهم تحدياتهم واحتياجاتهم وتستقطب المواهب من مختلف الجنسيات والخلفيات، وهذا ما يتطلب وقتا كبيرا لتكوين تلك البيئة الفنية".
هويّة سينمائية
عن كيفية مساهمة النقد في بلورة هوية سينمائية سعودية، يجيب الناقد عزيز محمد: "ليس لدور السينما أن تتلمّس هوية خاصة بالمجتمع، فهي ليست وثيقة اجتماعية ويجب ألا تكون كذلك. وأعتقد أن سؤال هل فنّنا يشبهنا أم لا يشبهنا هو أحد أكثر الأسئلة المضلّلة في النقد السعودي، وأشدّها إضرارا بالإبداع. فكل ما ينتج من هذا السؤال هو محاكاة لما نعتقد أنه هوية سينمائية سعودية، لو محّصنا النظر فيها لوجدنا أنها خاضعة لأمزجة المنتجين وتصوّراتهم حول ما يناسب ذائقة المجتمع. تعبّر الأفلام بشكل رئيسي عن هوية صانعها، وإخضاعها لهوية المجتمع المقولبة حسب متطلبات السوق يعني تجريد الصانع من حريته الفنية وتقييد ذائقة الجمهور في شكل محدود من التلقي. للنقد دور محوري في تجاوز هذا الخلل، ليس من حيث ممارسته لدور إرشادي أبوي تجاه صنّاع الأفلام ومتابعيها، بل ما نحتاج إليه بشكل أكبر هو أن يصبح الصنّاع أنفسهم نقادا، وهذا ما سينتج سينما المؤلف التي يمكن أن تدفع بالتعبير السينمائي نحو حدوده القصوى وتخلق موجة سعودية حقيقية".
تعيش السينما مرحلة ملحوظة من التطور والنمو ساعية بقوة إلى بناء هويتها السعودية وسوف يساهم في هذه العملية وجود الناقد الفني السينمائي الذي يفسّر ويحلل بعمق القصص والشخصيات والرموز الثقافية
عفت فدعق
أما د. عفت فدعق فتقول: "تعيش السينما مرحلة ملحوظة من التطور والنمو ساعية بقوة إلى بناء هويتها السعودية وسوف يساهم في هذه العملية وجود الناقد الفني السينمائي الذي يفسّر ويحلل بعمق القصص والشخصيات والرموز الثقافية، وذلك لمعرفة الناقد بالرسائل والقضايا المرتبطة بالمجتمع السعودي وقدرته على إلقاء الضوء عليها. كما يساهم النقد السنيمائي في فتح باب النقاش والحوار من خلال تشجيع التفاعل المباشر مع الجمهور لتوجيه الصناعة نحو مسارات تعبيرية وفنية تعكس الهوية السعودية وتربطها بالسينما العالمية التي تساهم بدورها في تطور السينما السعودية بشكل عام".
يأتي ملتقى النقد السينمائي الرابع بمدينة تبوك بعد سلسلة ملتقيات نظمتها هيئة الأفلام، كان أولها بمدينة جدة تحت عنوان "الروحانية في السينما" والثاني بمدينة الظهران تحت عنوان "مفهوم السينما الوطنية" أما الثالث فاستضافته مدينة أبها تحت عنوان "المشهدية والفضاء الطبيعي في الأفلام"، فيما ستشهد مدينة بريدة جولة خامسة للملتقى، قبل انعقاد المؤتمر العالمي للنقد السينمائي الذي ستستضيفه العاصمة الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني بعنوان "الفيلم والفن في عالم متغير".