هل يختفي الأرز الهندي عن المائدة؟https://www.majalla.com/node/299876/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%AE%D8%AA%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%86%D8%AF%D9%8A-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A9%D8%9F
يحظى الأرز الهندي بكثير من الاهتمام الدولي في هذه الأيام، إلا أن ذلك يعود إلى المخاوف المتعلقة بإمدادات الغذاء العالمية بعيدا عن مكانة الأرز كأحد مكونات الطعام الفاخر. ولا يقتصر الأرز الهندي على كونه سلعة تصديرية واحدة، فهناك درجات مختلفة منه يمكن تقسيمها تجاريا إلى فئتين واسعتين - البسمتي وغير البسمتي.
الأرز البسمتي الطويل أكثر عطرية وهو مفضل في المطبخ الشرق أوسطي والمطبخ المغولي شمال الهند، وخاصة في البرياني وأصناف البيلاو المتنوعة. أما الأرز غير البسمتي، وهو النوع الآخر القصير ، فيُستهلك على نطاق واسع ويشكل حيزا مهما من خطة الإمدادات الغذائية ذات الأسعار المقبولة في البلاد، التي تسمى نظام التوزيع العام، وتستهدف مئات الملايين من البشر.
ربما يصعب إرضاء الذواقين بطعم أحد أنواع الأرز وملمسه، لكن الطاهي المحترف يعرف أي نوع من أنواع البسمتي العطري عليه أن يستخدم في المندي العربي أو برياني لكناو أو بولاو كابل. وعلى نحو مماثل، يحظى الأرز القصير، وهو أكثر نشوية وأقل سعراً نسبياً، بشعبية كبيرة لنكهته العادية بعض الشيء التي تلائم أطباق مناطق معينة، بما في ذلك جنوب الهند.
من المرجح أن تفاقم القيود في الظروف الحالية التقلّبات في أسعار الغذاء في كل أنحاء العالم. ويمكن أن تؤدي أيضاً إلى إجراءات انتقامية، لذا نشجع بالتأكيد على إزالة قيود التصدير، لما يمكن أن تلحقه من ضرر عالمي
بيار أوليفييه غورينشا، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي
في 20 يوليو/تموز المنصرم، حظرت الحكومة الهندية صادرات الأرز الأبيض غير البسمتي، وهو ما يثير مخاوف من حدوث أزمة غذاء عالمية في الفترة المقبلة، وسط نقص إمدادات الحبوب بسبب الصراع الروسي الأوكراني. وأوضحت وزارة شؤون المستهلكين آنذاك عن أسباب حظر التصدير بقولها: "ارتفعت أسعار التجزئة 11,5 في المئة على مدار عام و3 في المئة في يونيو/حزيران الماضي".
يشكل الأرز غير البسمتي الأبيض نحو 25 في المئة من الصادرات الإجمالية للأرز الهندي. القرار الذي اتخذ لأسباب داخلية صرف تتعلق بالأسعار واستقرار الإمدادات، أثار مزيداً من القلق نظرا لتوقيته في أعقاب انسحاب روسيا من مبادرة الحبوب في البحر الأسود، وهي اتفاق توسطت فيه تركيا والأمم المتحدة في يوليو/تموز 2022 ومدّدت لفترات قصيرة من الزمن.
الهند التي توفّر الأرز لأكثر من 100 دولة وتستحوذ على 40% من تجارته العالمية، تسببت قلّة الأمطار بها إلى انخفاض المساحة الإجمالية المزروعة من الأرز لأصغر مساحة منذ 3 سنوات... فهل يواجه العالم أزمة أرز قريبا؟
التفاصيل:https://t.co/2GWviheADo#اقتصاد_الشرقpic.twitter.com/DF6nDakXAb
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) August 3, 2022
وبما أن الهند استأثرت بـ 40 في المئة من تجارة الأرز العالمية في سنة 2022، فقد بدت المخاوف بشأن مزيد من النقص في الحبوب في سلسلة الإمدادات الغذائية متجذرة.
ووفقا لبيار أوليفييه غورينشا، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، في بيان في 25 يوليو الماضي، "من المرجح أن تفاقم هذه الأنواع من القيود في الظروف الحالية التقلّبات في أسعار الغذاء في كل أنحاء العالم. ويمكن أن تؤدي أيضاً إلى إجراءات انتقامية. لذا نشجع بالتأكيد على إزالة قيود التصدير هذه، لما يمكن أن تلحقه من ضرر في العالم".
هناك أثران رئيسيان يترتبان على مستوردي الأرز: السعر والتوافر المستدام لأنواع الأرز المفضلة في المطبخ المحلي.
صدّرت الهند 22,3 مليون طن من الأرز في السنة المالية 2022-2023 (أبريل/نيسان-مارس/آذار). وبلغت قيمة صادرات الأرز الهندي 6,3 مليارات دولار للأرز غير البسمتي و4,7 مليارات دولار للأرز البسمتي خلال فترة 12 شهراً. وقد توجه نحو 63 في المئة من الصادرات الاجمالية للأرز البسمتي البالغة 4,55 ملايين طن إلى خمسة من المستوردين الكبار في الشرق الأوسط - المملكة العربية السعودية وإيران والعراق ودولة الإمارات العربية المتحدة واليمن.
من حيث القيمة، استوردت المملكة العربية السعودية ما قيمته نحو مليار دولار من الأرز البسمتي من الهند في سنة 2022-2023، تلتها إيران (980 مليون دولار)، والعراق (375 مليون دولار)، والإمارات (334 مليون دولار)، واليمن (307 ملايين دولار).
وكان أكبر المستوردين للأرز غير البسمتي من حيث القيمة بنين (529 مليون دولار)، والصين (494 مليون دولار)، والسنغال (432 مليون دولار)، وساحل العاج (420 مليون دولار)، وتوغو (331 مليون دولار). واستأثرت هذه الدول الخمس بنحو 34 في المئة من أحجام صادرات الهند من الأرز غير البسمتي البالغة 17,78 مليون طن في سنة 2022-2023.
ليس لدى الحكومة الهندية أي مجال للمناورة عندما يتعلق الأمر بتضخم أسعار السلع الأساسية في الداخل، لأن التكلفة السياسية قد تكون باهظة في موسم الانتخابات. ومن المقرر إجراء انتخابات تشريعية في خمس ولايات في السنة الجارية، ويتطلع رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى ولاية ثالثة في الانتخابات الوطنية في السنة المقبلة.
بدأ تضييق الخناق على الأرز في الهند في العام المنصرم، عندما حظرت الحكومة تصدير الأرز المكسور وفرضت رسوم تصدير بنسبة 20 في المئة على بعض أنواع الأرز في سبتمبر/أيلول 2022. ولا يمكن إنكار أن خطورة الوضع الحالي لإمدادات الأرز في الهند.
وقالت وزارة التجارة في أغسطس/آب، "اتخذت الحكومة إجراءات لتقييد صادرات الأرز من الهند، بغية التحقق من الأسعار المحلية وضمان الأمن الغذائي المحلي"، وأشارت إلى أن صادرات الأرز كانت مرتفعة خلال السنة الجارية على الرغم من القيود المفروضة على بعض الأصناف. لذا فإن الوضع يتطلب اتخاذ مزيد من التدابير.
اتبعت الحكومة حظر تصدير الأرز غير البسمتي الأبيض في يوليو/تموز الماضي بفرض ضريبة تبلغ 20 في المئة على صادرات الأرز شبه المسلوق، الذي يمثل 30 في المئة من صادرات الأرز الهندي. وعندما اكتشفت أن المصدرين شرعوا في استخدام ثغرات لشحن الأرز غير البسمتي إلى الخارج بطريقة غير قانونية، أعلن عن المزيد من الضوابط في 27 أغسطس/آب الماضي.
على سبيل المثل، إحدى الممارسات التجارية غير المشروعة المتبعة، تصنيف شحنات الأرز غير البسمتي على أنها "بسمتي"، إلا أن الاختلاف الكبير في السعر كان واضحاً للغاية بحيث لا يمكن إغفاله. فقد تبين أن سعر الأرز الذي يحمل علامة "البسمتي" بموجب العقود وصل إلى 359 دولاراً للطن مقارنة بمتوسط سعر التصدير البالغ 1,214 دولاراً للطن الواحد من الأرز البسمتي الفعلي في أغسطس/آب. لذا، أمرت السلطات بعد ذلك بعدم السماح بتصدير الأرز البسمتي دون سعر 1,200 دولار للطن.
ليس لدى الحكومة الهندية أي فرصة للمناورة عندما يتعلق الأمر بتضخم أسعار السلع الأساسية في الداخل، لأن التكلفة السياسية قد تكون باهظة في موسم الانتخابات
وبحسب وزارة التجارة، "تلقت الحكومة تقارير ميدانية موثوقة عن سوء التصنيف والتصدير غير القانوني للأرز غير البسمتي الأبيض، الذي حظر تصديره اعتباراً من 20 يوليو/تموز 2023. وأفيد عن أن الأرز غير البسمتي الأبيض يصدّر بموجب رموز النظام المتناسق (Harmonized System – HS) (النظام المتناسق لتسميات التعريفات الجمركية) للأرز شبه المسلوق والأرز البسمتي.
غير أن بعض المصدرين لا يزالون يبيعون الأرز غير البسمتي على أنه "بسمتي" بالتواطؤ مع المشترين الأجانب، بحيث يدفع المستوردون 1,200 دولار أو أكثر ثمناً للطن الواحد من الأرز غير البسمتي الأرخص سعراً مع اتفاق غير معلن يقضي بتعديل فرق السعر في المعاملات المستقبلية.
وذكرت إحدى الصحف أن "مصدرّي الأرز البسمتي يعمدون إلى المبالغة في قيمة الفواتير لكي لا يخسروا أسواق صادراتهم لصالح باكستان، المنافس الرئيسي". فحصة الهند في سوق الأرز العالمية على المحك، وقد ارتفعت إلى 40 في المئة بعد أن كانت 22 في المئة في سنة 2008.
قالت منظمة الأغذية والزراعة #فاو اليوم الجمعة، إن مؤشرها الذي يقيس أسعار #الأرز ارتفع بنسبة 9.8% في أغسطس مقارنة بشهر يوليو، ليصل إلى أعلى مستوى منذ 15 عاماً
1/3#اقتصاد_الشرقpic.twitter.com/w59SKJ2k50
وقد ارتفعت أسعار الأرز العالمية نحو 20 في المئة منذ الحظر الذي فرضته الهند، وسط اشتداد المخاوف بشأن الإمدادات،كونه عنصر غذائي أساسي لثلاثة مليارات نسمة في كل أنحاء العالم. وحظرت دولة الإمارات، وهي مركز تجاري إقليمي رئيسي، في 28 يوليو/تموز، تصدير الأرز وإعادة تصديره لمدة أربعة أشهر.
تتمتع دولة واحدة على الأقل باستيراد الأرز من الهند دون عوائق، إذ استثنت نيودلهي سنغافورة احتراماً لـ "الشراكة الإستراتيجية الوثيقة للغاية" بين الدولتين.
وفي وقت تشعر الحكومة بالقلق إزاء الحساسيات السياسية المحلية والتداعيات الخارجية للحظر، فإن المصدرّين يخشون خسارة السوق أمام كبار مصدرّي الأرز الآخرين مثل تايلند وفيتنام وباكستان.
وإذا استمرت القيود المفروضة على الأرز الهندي لمدة طويلة، فستصبح إعادة ترتيب سوق الأرز وأذواق الطهي احتمالاً حتميا.