المفاوضات كانت تسير في مسار تصاعدي وفق ما كان يعرف بـ"أرجل الطاولة الأربع" لعناصر اتفاق السلام، وتضمنت: الانسحاب الإسرائيلي من الجولان المحتلة منذ عام 1967، وترتيبات أمنية بين الطرفين، وتطبيع العلاقات بينهما، والجدول الزمني بين العناصر الخاصة باتفاق السلام. ومن الاختراقات توصل رئيس الأركان السوري حكمت الشهابي مع نظيريه إيهود باراك نهاية 1994، وأمنون شاحاك في منتصف 1995، إلى ورقة مبادئ الترتيبات الأمنية بين البلدين بحيث تكون متوازية ومتساوية. والتي سربها إيهود باراك كي يضغط على رابين.
استمرت المفاوضات خلال ولاية بنيامين نتنياهو بين عامي 1996 و1999. لكن بعد فوز حزب العمل بالانتخابات وتسلم إيهود باراك، عاد الرئيس كلينتون لتفعيل جهوده لإحداث اتفاق سلام في سوريا بالتزامن مع أمرين: تراجع صحة الرئيس السوري حافظ الأسد، وتصاعد الإعداد لتسلم بشار الأسد الحكم خلفا له.
"وديعة رابين"
في 15 ديسمبر/كانون الأول 1999، استضاف كلينتون محادثات بين باراك ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع اللذين التقيا وجها لوجه بحضور وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت في أرفع لقاء سوري– إسرائيلي سياسي، مع أن رئيسي الأركان التقيا سرا وعلنا نهاية 1994 ومنتصف 1995.
أكد الشرع وباراك "الرغبة العميقة" في تحقيق السلام. وركز الجانب السوري على وجوب التزام الإسرائيلي "وديعة رابين" التي سلمها إلى كريستوفر ونقلها إلى الأسد في 1993، وتضمنت "القبول بالانسحاب إلى ما وراء خطوط الرابع من يونيو/حزيران". كما طالب الشرع الالتزام بـ"الوثيقة الأمنية" المتفق عليها، مع استعداد سوريا لتوفير متطلبات السلام وإقامة علاقات عادية مع إسرائيل. وفي المقابل، ركز باراك على مسائل الأمن والقلق الإسرائيلي، كما ربط مسألة الانسحاب بمسألة العلاقات السلمية وعمقها. واختلف الطرفان حول الجدول الزمني. الشرع أراده قصيرا، فيما فضل باراك سنتين للتنفيذ. لكن النقاش دار في أجواء بعيدة عن التشنّج، وقال كل منهما إنه "راضٍ جدا عن سير المفاوضات الحالية في واشنطن برعاية الولايات المتحدة الأميركية"، ما شجع على استئناف المفاوضات في الثالث من يناير/كانون الثاني في بلدة شيبرد تاون في ولاية فرجينيا الغربية.
ورقة عمل أميركية
افتتح كلينتون المحادثات في الثالث من يناير/كانون الثاني. وأمام المصاعب واحتمال تعطّل المفاوضات، تقدّم الجانب الأميركي باقتراح لتشكيل مجموعات عمل حول القضايا الرئيسة موقع الخلاف على أن تجتمع بشكل متزامن وأن الوصول إلى اتفاق في لجنة مرتبط بالاتفاق حول جميع القضايا في جميع اللجان. واللجان التي تم تشكيلها هي:
لجنة ترسيم حدود خط الرابع من يونيو/حزيران عام 1967.
لجنة الترتيبات الأمنية المتكافئة.
لجنة العلاقات السلمية.
لجنة المياه.
وفي الموعد المحدد لاجتماعات اللجان، تخلّف أعضاء الوفد الإسرائيلي في لجنة رسم الحدود مما أحدث أزمة، ثم استؤنفت الاجتماعات، لكن دون دخول جدي في المواضيع. وأمام الانسداد، قدم الوفد الأميركي ورقة تلخص موقفي الطرفين. وهذا نص الوثيقة:
حكومة دولة إسرائيل وحكومة الجمهورية العربية السورية
بهدف الوصول إلى سلام عادل دائم وشامل في الشرق الأوسط على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338، وفي إطار مسيرة السلام التي بدأت في مدريد في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1991 وسط تأكيدهما مجددا على إيمانهما بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وإقرارا بحقهما وواجبهما في العيش بسلام جنبا إلى جنب، وكذلك مع كل باقي الدول في إطار حدود آمنة ومعترف بها. ومن منطلق الرغبة في إحلال احترام متبادل وتطوير علاقات جوار متوازنة ودّية وحسنة، فإن الدولتين- إسرائيل وسوريا- عقدتا بذلك العزم على إقامة سلام دائم بينهما بمقتضى هذا الاتفاق، واتفقنا على ما يلي:
البند الأول: إقامة سلام وأمن في نطاق الحدود المعترف بها
- حالة الحرب بين إسرائيل وسوريا تتوقف بذلك ويقام سلام بينهما، يقيم الطرفان علاقات سلام طبيعية بموجب التحديات الواردة في البند الثالث الذي سيلي فيما بعد.
- الحدود الدولية الدائمة الآمنة والمعترف بها بين إسرائيل"إ" وسوريا "س" هي الحدود المحددة في البند الثاني الذي سيلي فيما بعد. موقع الحدود متفق عليه بين الأطراف "س"- ويرتكز على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967- وبين "إ" من منطلق الأخذ بالحسبان لاعتبارات الأمن واعتبارات أخرى حيوية للأطراف، وكذلك اعتبارات شرعية للطرفين.
دولة إسرائيل "س" تسحب "إ" تنشر من جديد كل قواتها العسكرية "س: ومدنييها"، وراء هذه الحدود بموجب الملحق المرفق بهذا الاتفاق. "س: انطلاقا من هذه النقطة يمارس كل طرف سيادته الكاملة في جهته من الحدود الدولية بما في ذلك المتفق عليه في هذا الاتفاق".
- من أجل تعزيز ودعم أمن كلا الطرفين تطبّق وثائق وإجراءات أمن متفق عليها بموجب البند الرابع الذي سيلي فيما بعد.
- الإطار الزمني- يرسم جدولا زمنيا متفقا لتنفيذ منسّق في الوقت- متزامن لهذا البند وباقي بنود هذا الاتفاق.
البند الثاني: الحدود الدولية
- الحدود الدولية بين إسرائيل وسوريا تكون بموجب ما هو مبين في الخرائط والإحداثيات المساحية المفصّلة. هذه الحدود هي الحدود الدولية الدائمة الآمنة والمعترف بها بين إسرائيل وسوريا وهي تأتي لتحل مكان أي حدود أو خط هدنة سابق بينهما.
- تحترم الأطراف هذه الحدود وسلامة ووحدة مناطق الأرض والمياه الإقليمية والمجال الجوي لكل طرف.
- تقام بذلك لجنة حدود مشتركة مهمتها وعملها محددان في الملحق.
البند الثالث: علاقات سلام طبيعية
- يطبّق الطرفان فيما بينهما شروط ميثاق "شرعة" الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات بين الدول في عهد السلام، وخصوصا:
كل طرف يحترم ويقر بالسيادة والوحدة الجغرافية والاستقلال السياسي للطرف الآخر وبحق العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها كذلك.
يقيم الطرفان وينميان علاقات حسن جوار وينأيان عن التهديد بالقوة أو استخدام القوة بشكل مباشر أو غير مباشر الواحد ضد الآخر ويتعاونان في إحلال السلم والاستقرار والتطور في منطقتهما ويسوّيان أي خلاف ينشأ بالوسائل السلمية.
- يقيم الطرفان علاقات دبلوماسية وقنصلية كاملة فيما بينهما بما في ذلك تبادل سفراء مقيمين.
- يقر الطرفان بالمنافع والأفضلية المتبادلة الكامنة في علاقات جوار نزيهة وحسنة ترتكز إلى الاحترام المتبادل، ولهذا الغرض:
يعملان على تنمية وتشجيع علاقات تجارية واقتصادية متبادلة مجدية بما في ذلك عن طريق سماحهما بحركة مرور حرة وشاملة للأشخاص والبضائع والخدمات بين الدولتين.
يزيلان كافة العوائق التي تقف حائلا أمام إقامة علاقات اقتصادية طبيعية ويوقفان جميع أشكال المقاطعة الاقتصادية الموجّهة ضد الطرف الآخر، ويلغيان أي تشريع مجحف، ويتعاونان من أجل وضع حد لأي مقاطعة اقتصادية موجّهة مع طرف ثالث ضد أحد الطرفين.
يشجّعان ويدفعان باتجاه إقامة علاقات بينهما في مجال المواصلات الدولية بين البلدين ويتعاونان في مد وتطوير شبكات سكك حديدية تمكّن من وصول طبيعي للموانئ لوسائل الإبحار والشحنات المنقولة لكل طرف إلى الطرف الآخر، ويباشر في إقامة علاقات طبيعية في مجال الملاحة الجوية المدنية.
يقيمان اتصالات طبيعية عبر وسائل البريد والهاتف والتلكس وفاكسيميليا المعلومات واتصالات سلكية وكوابل وخدمات تلفزيون، وراديو، وأقمار صناعية بين الطرفين، وذلك على قاعدة غير مجحفة بموجب الأعراف والقواعد الدولية المتّبعة.
يدفعان باتجاه إقامة تعاون في مجال السياحة بهدف تسهيل وتشجيع سياحة متبادلة وسياحة من دول أخرى.