تنشغل الأوساط الدينية بمدينة النجف، في تلمس مآلات مرحلة ما بعد وفاة الرجل الأقوى في العراق، المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني، الذي يبلغ من العمر 92 عاما.
ويجري الحديث، في داخل الحوزات والبيوتات الدينية، عن كيفية اختيار مرجع يشبه، في مواقفه، السيستاني، ليقف ندا لإيران التي تحاول ابتلاع المنظومة الدينية الشيعية في العراق.
وتعتبر النجف، مركزا دينيا عند الشيعة، لكونها تضم قبر الإمام علي بن أبي طالب، فضلا عن مقر المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في العراق في "شارع الرسول"، حيث يسكن السيستاني، على بعد أمتار من القبة الذهبية، التي يزورها آلاف الشيعة يوميا.
صعود السيستاني
تولى السيستاني، وهو من أصول إيرانية، يتقن اللغتين الفارسية والعربية، شؤون الطائفة الشيعية في العراق سنة 1992، بالرغم من ظهور تيار داخل حوزة النجف، وقتذاك، يدعم وصول أحد رجال الدين، ممن كانوا ينافسون رجل الدين العراقي محمد صادق الصدر، والد زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، والذي اغتيل عام 1999. وقد تنامت شعبية السيستاني، بعد سقوط نظام صدام حسين، ووصول الأحزاب الإسلامية الشيعية إلى سدة الحكم.
وقد اتبع السيستاني منهجا واضحا في الحفاظ على النجف مقرا لقيادة شؤون الشيعة في العراق والعالم، وإن كان، أحيانا، في صراع خفي مع إيران، التي تطمح، بدورها، إلى أن تكون مرجعا للشيعة في العالم.
وخاض السيستاني صراعا مضمرا، مع حوزة مدينة قم الإيرانية التي يسيطر عليها المرشد الإيراني علي خامنئي؛ إذ حاول الأخير، مرارا، سحب البساط من تحت مرجعية النجف، وجعلها تابعة لولاية الفقيه، وذلك من خلال إرسال رئيس السلطة القضائية الإيرانية محمود الهاشمي الشاهرودي (توفي عام 2018)، إلى النجف ليكون خليفة للسيستاني؛ وكان الشاهرودي قد افتتح مكتبا خاصا، يمثله فيه رجل الدين مجتبى الحسيني، ومنح الطلاب في المدارس الإيرانية في النجف، امتيازات أكبر من تلك التي تُمنح لهم في المدارس النجفية.
حائط الصد
تمثل مرجعية النجف حائط الصد، أمام مساعي ولاية الفقيه للهيمنة على المؤسسة الدينية الشيعية. فعلى الرغم من اتخاذ جزء من الإسلام السياسي الشيعي خامنئي مرجعا له، إلا أن السيستاني دعم أي جهد لتقويض نفوذ إيران في العراق، إذ دعم الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتي دعت إلى قيام دولة المواطنة بديلا من دولة المكونات الطائفية، ووقف تدخلات طهران في الشؤون العراقية، وقد أُحرقت، وقتذاك، القنصليات الإيرانية في جنوب العراق، وأُجبرت حكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة. كذلك أحبط السيستاني، طموح نوري المالكي لولاية حكومية ثالثة عام 2014، في ظل الدعم الإيراني الكبير له آنذاك.