تنتمي الكاتبة البارزة ليديا خورخي إلى أدباء "جيل ما بعد الثورة" وهي من أبرز الأصوات الأدبية في الأدب البرتغالي المعاصر، ولدت في إحدى قرى منطقة الغرف عام 1946. درست اللغات الرومانسية في كلية الفنون بجامعة لشبونة، ثم سافرت إلى العمل في التدريس في كلّ من أنغولا وموزمبيق خلال الحرب الاستعمارية البرتغالية. نشرت روايتها الأولى "يوم العجائب" في 1980 وحصلت على العديد من الجوائز والتكريمات مثل جائزة "ألباتروس" الأدبية عام 2007 وجائزة "فيل" المكسيكية المرموقة عن مجمل أعمالها عام 2020.
"المجلة" التقت ليديا خورخي وحاورتها حول مسيرتها الأدبية وطفولتها وعلاقة الأدب بالسياسة، وما توقعاتها لتأثيرات الذكاء الاصطناعي على الكتابة. هنا نص الحوار:
تزخر مسيرتك الأدبيّة بمؤلَّفات من الشعر والرواية وأدب الأطفال والمقالات. فماذا تخبريننا عن بداياتك الأدبية؟
بدأت علاقتي بالأدب منذ طفولتي. آنذاك، كان هذا المصطلح مجهولا لجميع أفراد عائلتي – بمن فيهم أنا. كنا فقط نميّز القصة الجميلة والأسلوب الفنّي في سردها. كنا نعيش آنذاك في منطقة الغرف الريفية في أقصى جنوب البرتغال عند نقطة تلاطم أمواج المحيط الأطلسي بالبحر الأبيض المتوسط. وفي خمسينات القرن الماضي، قرّر رجالات عائلتي من المزارعين والحرفيين الهجرة إلى أفريقيا والأميركيتين الشمالية والجنوبية، بينما بقيت نساء العائلة في البرتغال. في بيت عائلتي كانت هناك ثلاث نساء ممن بقين، وأظن أن هذه هي المرحلة التي بدأت أتعرف فيها إلى القراءة والأدب. كنت قد تعلمتُ القراءة في سنٍ مبكرة، حيث أهّلتني تلك المَلَكة لقراءة الكتب لأمي وعمتي وجدتي بصوتٍ واضح، لا سيما الروايات العاطفية التي كُنَّ يفضّلنها. هكذا كنتُ أقضي المساءات مستغرقة في القراءة الجهرية لكي تتمكن النساء الثلاث الموجودات معي من سماع القصص، بينما يتابعن الحياكة. بالنسبة إلى الطفلة الصغيرة التي كنتُها، بدت حياة أبطال وبطلات تلك الروايات شديدة الغموض والإبهام إلى حدّ التوحش. كنتُ توّاقة إلى حياة مستقرّة ومتناغمة، فتضمّنت العديد من مقالاتي وموضوعاتي الإنشائية المدرسيّة في النهار روايات مختصرة تتلاعب بمصائر القصص التي كنت أقرأها ليلا. فالآباء الهاربون يعودون للتعرّف إلى أبنائهم، والخونة من الرجال يرجعون إلى الأبد إلى أحضان نسائهم اللائي هجروهن، وفي اللحظات الأخيرة، يلتمس المجرم المغفرة من الحاكم، فيفرّ من حبل المشنقة. هكذا كانت بداياتي الأدبيّة، تجريبية بحتة. لطالما لجأت إلى السرد كي لا أتيه وسط الصراعات البشرية. كنت أصوغ تلك الأعمال من منطق طفلة تتوق إلى الأمان الوجوديّ، فتستخدم خيالها لتغيير منطق العالم. بدأتُ بعدئذ إدراك العالم الأدبيّ الرحب. عندما بلغت السابعة عشرة من عمري، قرأت "الإخوة كارامازوف" لدوستويفسكي، فتكشّفت لي آفاق لم أكن أدرك مدى اتساعها من قبل. لم أنقطع يوما عن القراءة أو الكتابة وما يكمن فيهما من تشويق، ولم أدرك أن ما كتبته يستحقّ النشر حتى بلغت الثالثة والثلاثين من عمري. حملت باكورة رواياتي عنوان "يوم العجائب"، ونشرتها عام 1980 لتكون ثمرة التقاطعات بين حبوري بتجربة الحياة وفن السرد القصصي الذي تعلمته عبر كتب مؤلفين عظماء.