معركة السرديات
إن المثال الرئيس للفوضى السياسية في ليبيا يكمن في حقيقة أن عبد الحميد دبيبة، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومقرها في طرابلس، يفتقر إلى السلطة اللازمة لزيارة المنطقة المنكوبة في الشرق. وتقتصر صلاحياته على التوجيه المالي، وحتى لجنة الأزمات التابعة له، المخصصة لإدارة الكارثة، لا تعمل في المناطق المنكوبة، بل من طرابلس. على العكس من ذلك، فإن الحكومة التي نصبت نفسها ووزراء الإدارة الشرقية الانفصالية ليس لديهم سلطة حكم ملموسة، ولكنهم – مع ذلك – يصرون على إصدار التوجيهات والإعلانات.
يقع هيكل السلطة الحقيقي في شرق ليبيا تحت سيطرة الجنرال حفتر. وعلى الرغم من الجهود الجديرة بالثناء التي بذلها الهلال الأحمر، فقد فرض الجنرال حفتر منذ فترة طويلة قيودا صارمة على ما كان ذات يوم مجتمعا مدنيا مزدهرا، مما دفع الكثير من القادة والمنظمين إما إلى مغادرة ليبيا وإما إلى التزام الصمت. (وقد بدأت حكومة الوحدة الوطنية أيضا ممارسات مماثلة من خلال مطالبة المنظمات غير الحكومية بالتسجيل لدى الحكومة). وهذا يعيق جهود الإغاثة الإنسانية الفعالة، حيث إن أحد الجوانب الأساسية هو التعاون مع الجهات الفاعلة المنظمة محليا. ونتيجة لذلك، يواجه شرق ليبيا تحديات إضافية، مما يزيد الضغط على الهلال الأحمر.
لقد بدأت بالفعل عملية تحديد اللوم، رغم أن كافة التفاصيل لم تظهر بعد. ويُظهر مقطع فيديو منتشر على نطاق واسع شخصا غاضبا يتهم جميع المسؤولين في السلطة بإهمال البلاد، وسرعان ما قبض عليه من قبل إحدى كتائب الجنرال حفتر. وثمة أيضا انتقادات كبيرة موجهة إلى السلطات المحلية لفشلها في إصدار تحذيرات في الوقت المناسب– بل أي تحذيرات على الإطلاق– لإخلاء المدينة، على الرغم من علمها باقتراب العاصفة.
وفي سياق أوسع، كانت هناك دراسات تسلط الضوء على ضرورة إصلاح أو إعادة بناء السدين اللذين فشلا في نهاية المطاف. وتم تخصيص خطط إعادة الإعمار وإسنادها لشركة تركية، والتي لم تتمكن بسبب علاقة تركيا بحكومة الوحدة الوطنية من الوصول إلى المنطقة التي يسيطر عليها الجنرال حفتر. وبغض النظر عما إذا كان اللوم يقع على عاتق الجنرال حفتر أو المدنيين المتصلبين، فإن النتيجة كانت مأساوية.
ولا شك أن الاهتمام الأساسي والفوري هو الإغاثة الإنسانية. ومن اللافت للنظر أن عمليات الإنقاذ لا تزال مستمرة بعد مرور أكثر من 72 ساعة على وقوع العاصفة. ونأمل أن تصل الإمدادات والمعدات اللازمة على وجه السرعة لمنع انتشار المرض وتقديم المساعدة للناجين.
وتتكشف هذه التحديات في سياق المشهد السياسي المنقسم بشدة في ليبيا، حيث تظل الأمة لسوء الحظ عالقة في الشرك، فمن جانب لا يزال هاجس الجنرال حفتر هو الفوز في معركة كسب الرأي العام ضد حكومة الوحدة الوطنية من خلال تسليط الضوء على عدم فعاليتها، مع قمع المعارضة، وحتى محاولة تقييد وصول الصحافيين (وهو جهد غير مجد نظرا لقوة وسائل التواصل الاجتماعي)، ومن جهة أخرى، تدافع حكومة الوحدة الوطنية عن نفسها بقوة من خلال إلقاء اللوم بشكل مباشر على حفتر بسبب أوجه القصور التي يعاني منها.
ويتوقف الحل النهائي على تصميم الشعب الليبي وصموده للتغلب على هذه الكارثة. لقد اتحد الليبيون في عام 2011 للإطاحة بالقذافي وأعربوا عن توقهم إلى التغيير عندما سجل ما يقرب من 3 ملايين مواطن للتصويت في الانتخابات التي كان مقررا إجراؤها أصلا في ديسمبر/كانون الأول 2021. ولكن لسوء الحظ، تم تأجيل هذه الانتخابات إلى أجل غير مسمى بسبب تحديات عملية وسياسية مختلفة، ولكن الرغبة في التغيير لا تزال متأججة.
وقد لا تكون هذه هي اللحظة المناسبة لمناقشة الانتخابات كحل، خاصة وأن التعافي من العاصفة سوف يتطلب اهتماما كاملا لعدة أشهر. ومع ذلك، تحتاج الأمة بشكل عاجل إلى آلية حكم محايدة سياسيا تتألف من أفراد يستمدون شرعيتهم من انتماءاتهم المحلية أو الإقليمية. علاوة على ذلك، قد يكون من الحكمة استكشاف الآليات التي تستطيع المنظمات الدولية مثل البنك الدولي من خلالها الإشراف على مشاريع كبيرة، مثل ترميم السدود. ومن المثير للسخرية حقا أن تمتلك ليبيا ما بعد القذافي الموارد المالية اللازمة لتنميتها (دون ديون، وفقا لصندوق النقد الدولي). ومع ذلك، فقد بلغ سوء الإدارة المستمر والحكم الناقص ذروته في الأحداث الدراماتيكية التي شهدها الأسبوع الماضي.