في 8 سبتمبر/أيلول 2023 الماضي، أصدر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تقريرا عن تطورات الوضع في السودان معنونا باسم "الصراع والمصالح: لماذا تشكل جهود الوساطة الخارجية عائقا لتحقيق السلام في السودان؟". والمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية هو مؤسسة بحثية أوروبية ومركز أفكار تأسس عام 2007 بمكاتب في سبعة عواصم أوروبية: برلين ولندن ومدريد وباريس وروما ووارسو وصوفيا، يتخذها كمقرات له.
ويضم المجلس في عضويته أكثر من 300 عضو من الساسة الأوروبيين يمثلون وزراء خارجية ورؤساء وزراء سابقين وأعضاء من البرلمانات الوطنية الأوروبية والبرلمان الأوروبي ومفوضي الاتحاد الأوروبي والأمناء العامين السابقين لحلف شمال الأطلسي وعددا من المفكرين والصحافيين، ويرأس دورته الحالية رئيس الوزراء السويدي السابق كارل بيلدت بالاشتراك مع الأكاديمية الدنماركية ليك فارييس والسياسي والحقوقي الألماني نوربرت ألويس روتغن والذي كان يشغل منصبا وزاريا في حكومة المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل قبل أن يترأس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الألماني (البوندستاغ) بينما يشغل البريطاني مارك ليونارد منصب المدير التنفيذي للمجلس. ويجتمع المجلس بكامل هيئته في عاصمة أوروبية مختلفة كل عام.
ويوصف المجلس بأنه أقوى وأبرز تعبير عن الهوية الأوروبية الشاملة فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، ويقوم بتقديم التوصيات إلى الاتحاد الأوروبي وزارات الخارجية الأوروبية المختلفة في شؤون السياسات الخارجية، بالإضافة إلى إصدار تقييم سنوي لكيفية تعامل أوروبا مع بقية العالم عبر إصدارة سنوية باسم "بطاقة أداء السياسة الخارجية الأوروبية" (The European Foreign Policy Scorecard). ويحوز المجلس كثيرا من الاحترام والتقدير والنفوذ، حيث تم تصنيفه كأفضل مركز بحثي جديد في عامي 2009 و2010، كما نال جائزة أفضل مؤسسة فكرية للسياسات الدولية عام 2015.
هذا التقديم السابق، يعكس أهمية التقرير الذي صاغه بشكل مشترك كل من مدير قسم أفريقيا: (ثيودور ميرفي) والزميل الزائر: (أمير جغاتي). وتناول التقرير تضارب جهود الوساطات المتعددة في الحرب السودانية، وكيف تساهم حالة تعدد المنابر والتسوق بينها (Forum Shopping) في إطالة أمد الحرب وتعوق جهود التوصل إلى اتفاق لوقفها. ووصف التقرير هذا الوضع بفوضى الوساطات المتعلقة بالسودان (Sudan’s mediation mayhem)، مقدما توصيته إلى الدبلوماسيين الأوروبيين الذين وصفهم بأنهم كانوا بالحكمة الكافية لعدم الانخراط في هذه الفوضى بالعمل على توحيد هذه الجهود والوساطات المجزأة في الشأن السوداني في عملية وساطة موحدة. واستعرض التقرير أيضا الثقافة السياسية السودانية والتي ذكر أنها شجعت في أوضاع سابقة منذ اتفاق السلام الشامل 2005 تعدد الوساطات.
وتقوم الأطراف السياسية الداخلية باستخدام الوساطات الخارجية في صراعاتها الداخلية كوسيلة لخلق رأس المال السياسي. ويسعى كل طرف سوداني إلى بناء مبادرته الخارجية الخاصة، ومن ثم التأثير على الوسيط لتشكيل العملية لصالحه. تعمل هذه المنتديات المتعددة على إضعاف تأثير الوسطاء وتؤدي إلى مجموعة من المقترحات غير المنسقة. ويصبح هذا الأمر ضارا بشكل خاص عندما يحتاج الوسطاء إلى سياسة الجزرة أو العصا لدفع الأطراف المتحاربة باتجاه الحلول: فهناك على الدوام محافل أخرى توفر بديلا وأطروحات أخرى.
تحليل المجلس الأوروبي للسياسات الخارجية صحيح إلى حد كبير في هذا السياق؛ فمنذ اندلاع الحرب في السودان، قامت عدة مبادرات دولية تسعى للتوسط في إيقاف الحرب بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. تمخضت هذه الجهود عن ثلاثة مبادرات معلنة حتى الآن:
منبر جدة: برعاية مشتركة من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
مبادرة دول الجوار: وتضمنت مصر وإثيوبيا وجنوب السودان وتشاد وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا.
مبادرة الاتحاد الأفريقي/الإيقاد: وتشمل الاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى لجنة الإيقاد الرباعية التي تضم: كينيا وجنوب السودان وإثيوبيا وجيبوتي.