في شهر يونيو/حزيران عام 2022، وقعت كل من إيران وفنزويلا، وهما من الدول الخمس المؤسسة لمنظمة "أوبك"، خطة تعاون مدتها 20 عاما لمواصلة مقاومة الضغوط التي تمارسها واشنطن، كونها السبيل الوحيد للتعامل مع هذه الضغوط على حد وصفهما. وتواجه الدولتان عقوبات أميركية لحظر صادرات النفط وهما خارج حصص خفض منتجي "أوبك".
إلا أن بعض الأخبار تواترت أخيرا بأن الولايات المتحدة الأميركية ستخفف العقوبات الاقتصادية المفروضة على الدولتين، وتشير أخبار أخرى إلى أنها سوف ترفع الحظر على صادراتهما النفطية.
الإنتاج في فنزويلا وإيران
ارتفع إنتاج فنزويلا من النفط الخام إلى أكثر من 840 ألف برميل يوميا في شهر يوليو/تموز المنصرم بعد انخفاض في شهر يونيو/حزيران عند 788 ألف برميل يوميا، تبعا لتخفيف الولايات المتحدة العقوبات على البلاد في أواخر العام المنصرم، مما سمح لها ببدء العمل على زيادة حجم استثمار شركات النفط العالمية في حقول فنزويلا.
أما إنتاج إيران من النفط فوصل إلى أعلى مستوياته منذ ما يقرب من خمس سنوات، حيث ارتفع إلى 3,1 مليون برميل يوميا. وتدعي إيران أن إنتاج النفط سيصل إلى 3,4 مليون برميل يوميا في نهاية شهر سبتمبر/أيلول 2023، حتى مع استمرار العقوبات الأميركية. ويعتبر إنتاج إيران الحالي أقل من ذروة إنتاجها في العقد الأخير في عام 2018، البالغ 3,7 مليون برميل يوميا.
ليس هناك ما يضمن أن يؤدي تخفيف العقوبات ضد قطاع النفط في إيران وفنزويلا، أو حتى رفع الحظر كليا، إلى زيادة الإنتاج إلى حد كبير أو من شأنه أن يحدث تأثيرا مهما في أسواق النفط العالمية
في النظر إلى أرقام إنتاج النفط في فنزويلا وإيران، ليس هناك ما يضمن أن يؤدي تخفيف العقوبات ضد قطاع النفط في هاتين الدولتين، أو حتى رفع الحظر كليا، إلى زيادة الإنتاج إلى حد كبير من شأنه أن يحدث تأثيرا عاليا في أسواق النفط العالمية أو أي ارتباك في السوق على المديين القصير او المتوسط، خاصة عند الأخذ في الاعتبار التدهور والإهمال اللذان تعاني منهما البنية النفطية التحتية في كلتا الدولتين والوقت الذي تحتاجه عودة استثمارات شركات النفط العالمية.
تشير بعض التحليلات إلى أن تخفيف تطبيق العقوبات على مبيعات النفط الإيراني والفنزويلي أعاد الإنتاج إلى أعلى مستوى له منذ بدء الحظر قبل 5 سنوات، الذي تشحن إيران معظمه إلى الصين (1,5 مليون برميل يوميا)، وهي أكبر مستورد في العالم، أما فنزويلا فلم يعد الإنتاج إلى مستويات تعزز معها الصادرات.
هل رفع الحظر سيقوض جهود "أوبك بلس"؟
إيران وليبيا وفنزويلا، وجميعها أعضاء في منظمة "أوبك"، دول معفاة من حصص خفض الانتاج. وقد يكون لإيران الحظ الأوفر في زيادة الإنتاج، على الرغم من أن ارتفاع الصادرات النفطية الإيرانية جاء في وقت تعاني أسواق النفط العالمية من الهشاشة، مع تراجع الأنشطة الصناعية وتعثر النمو الاقتصادي الصيني والطلب على الوقود. إلا أن رفع الحظر عن صادرات النفط الفنزويلي والإيراني قد يعني عودة إخضاع الدولتين إلى حصص خفض الإنتاج، وهو أمر يحسب حسابه الآن داخل أروقة منظمة "أوبك".
قد تشهد إيران ارتفاعا في الصادرات فور رفع الحظر، إلا أن ذلك لن يعكس أرقام الإنتاج، فهناك مخزونات النفط العائمة على متن ناقلات التي تقدر بـ80 مليون برميل، اضافة الى مخزونات النفط الأرضية، فيما ستتجه معظم هذه البراميل إلى الصين من طريق نظام مقايضة السلع والمنتجات الصناعية خارج النظام المالي العالمي، إلى حين رفع الحظر عن الصادرات الإيرانية النفطية بشكل رسمي يسمح للمصارف العالمية بإجراء التعاملات المالية.
التحديات اللوجستية
كان لسنوات حظر الصادرات النفطية دور كبير في تفاقم العقبات اللوجستية بسبب القيود المفروضة على النظام المصرفي الدولي، وبالتالي كان هناك صعوبة في صيانة وتحديث أسطول ناقلات النفط، ناهيك بعدم القدرة على تأمين هذه الناقلات وشحناتها. نتج من ذلك أسطول ناقلات متهالك ومهترئ لا يمكن تقييم مدى إمكان عودته إلى البحار والمحيطات وينطبق عليه لقب "الأسطول المظلم" أو "الأسطول المشلول". تاليا، من الصعب أن ينال ثقة موانئ ومرافق استيراد الدول المستهلكة.
من الواضح أن رفع الحظر عن صادرات النفط من فنزويلا وإيران، إن تأكد وأصبح رسميا، قد يكون متعمدا لهدف رئيسي واحد، وهو انخفاض أسعار النفط مع اقتراب الانتخابات الأميركية المقبلة. وسيتضح عند ذلك من يستخدم النفط لاغراض سياسية
الإدارة الأميركية الديموقراطية الحالية، التي كان لها السبق في أكبر استنزاف للمخزونات البترولية الاستراتيجية في التاريخ، لديها خيارات بديلة لإنتاج المزيد من النفط محليا أو حتى الاعتماد على حلفائها مثل كندا والمكسيك، أكبر مصدري النفط إلى الولايات المتحدة.
من الواضح أن رفع الحظر عن صادرات النفط من فنزويلا وإيران، إن تأكد وأصبح رسميا، قد يكون متعمدا لهدف رئيسي واحد، وهو انخفاض أسعار النفط مع اقتراب الانتخابات المقبلة. وسيتضح عند ذلك من يستخدم النفط لاغراض سياسية.
ولا يزال من غير المؤكد حتى الآن ما إذا كان تضييق السياسات النقدية سيستمر ويزيد الضغط التراجعي على أسعار النفط، وكيف ستنعكس زيادة إمدادات النفط الخام من إيران وفنزويلا على توازن أسواق النفط العالمية، إن استطاعت أن تصل الى مستويات مؤثرة.
هل أثر رفع الحظر على الأسعار؟
من المفارقات، أن بعض الإدارات الأميركية السابقة حاولت الضغط على أسعار النفط هبوطا للتأثير على أسعار الوقود، لكن ذلك لم يكن مجديا وتغيرت ديناميكية السوق بشكل مثير للاهتمام بعد جائحة كوفيد-19. إذ شهد صيف عام 2022 مثلا تراجعا في أسعار البنزين في الولايات المتحدة الأميركية ولم يكن ذلك بسبب الضغوط السياسية ولكن بسبب تراجع الاستهلاك المحلي الأميركي.
يبقى السؤال الأساسي، هل يمكن أن تعود استثمارات شركات النفط العالمية إلى إيران وفنزويلا على الرغم من أن الإدارة الأميركية قد تتغير وتفرض العقوبات الاقتصادية مرة أخرى؟