اللاذقية – سوريا: "هذه عظام إنسان لا حيوان. قتل الرجل بطلق ناري على مسافة ثلاثة أقدام وكان القاتل أطول من الضحية. طفلٌ توفى نتيجة تعرّضه للضرب بعد أن زعمت أسرته أنه سقط سهوا عن السلالم. ما الوقت الذي انقضى على هضم الضحية للطعام؟"، هذه جميعها مشاهد يومية معيشة في حياة طبيبات شرعيّات في سوريا اتسمن بالشجاعة والكفاءة المهنية، اعتدن تشريح أعمق طبقات الموت في ظروف اجتماعية واقتصادية غير نموذجية.
باستثناء بطاقة التعريف الخاصة بنقابة الأطباء الممهورة باسمها، لن تخمّن أبدا أن تلك الملامح الناعمة، والجسد النحيل المختبئ في كيلوغرامات قليلة تعود إلى طبيبة تشريح تقابل الأموات في حياتها أكثر مما تقابل الأحياء، فالمظهر هنا مخادع للغاية على نحو يجعلك لا تراهن على سيمياء الوجوه. فعلى خلاف قريناتها اختبرت الطبيبة منال جدع (52 عاما) في عمر مبكر تفكيك طبقات الجسد في اشتباك مباغت مع الجثث داخل جدران كلية الطب في بلغاريا، لتنتقل بعد سنوات إلى سوريا لدراسة اختصاص الطب الشرعي، تقول لـ "المجلة": "درست الطب العام في جامعة صوفيا، كان أول احتكاك لي مع جثة إنسان في السنة الجامعية الأولى، إذ يفرض النظام التعليمي هناك التطبيق العملي في مادة التشريح برفقة الأستاذ المشرف، على عكس الجامعات السورية التي يجب عليك انتظار سنوات لدخول الاختصاص".
شكّلت الجثث الهامدة منذ اللحظة الأولى نهما معرفيا لاستقراء الحقيقة دون أي فزع، تضيف: "لطالما شعرت بالألفة مع الجثث، كما لم أخف منها أبدا حتى في لقائي الأول معها، على العكس شكلت لي تحديا صعبا لإشباع نزعتي الفضولية واستنباط الحقيقة وسعيا مستمرا للمعرفة الطبية والحصول على الإجابات الوافية".