إن السعي في الحصول على حماية أميركية من العدوان الإيراني أمر بالغ الأهمية بالنسبة للسعوديين، لكن هل واشنطن مستعدة لقبول طلب الرياض الرئيس هذا؟
سياسيا يبدو أن بايدن يتمتع بهامش للتحرك لقبول الشرط السعودي نظرا لاستعداد خصومه الجمهوريين لبذل أشياء كبيرة تدفع إلى التطبيع الإسرائيلي- السعودي. ولكني لا أعرف ما إذا كان ذلك كافيا للحصول على الثلثين في مجلس الشيوخ الأميركي، وهي أغلبية واجبة للمصادقة على أية معاهدة دفاعية مع دولة أجنبية. ولكن إذا وضعنا جانبا السياسة الداخلية الأميركية، وإمكانية التعاون مع حكومة يمينية في إسرائيل لا تهتم بحقوق الفلسطينيين أو مع إدارة أميركية، ما هدد ذات يوم بجعل السعودية "مبنوذة"، اسمحوا لي بمعالجة التحديات الاستراتيجية العميقة لإبرام معاهدة تحالف بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية. وهي تحديات عالقة في أذهان وزارة الدفاع (البنتاغون) ومجلس الأمن القومي الأميركي معا.
لقد فكرت إدارة بايدن في جميع تداعيات معاهدة دفاع مع السعودية بما في ذلك قبول المخاطر وإدارة التكاليف، أو الخشية من تلك المخاطر والتكاليف والميل نحو قول "لا" للرياض، وبغض النظر عن كل ذلك فإنه من الجيد معرفة ما الذي جعل واشنطن تتغلب على كل ذلك، وما يتعين عليها التعامل معه.
خمسة تحديات
إن إبرام معاهدة دفاع مشترك بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، على غرار ما تلتزم به الولايات المتحدة مع أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا.. إلخ، ستشكل وفقا لبنودها التزاما مهما للغاية من جانبها لا يجب قط الاستخفاف به، ولذلك فإن هناك مخاطر ومخاوف محددة قد تصحب اتفاق الدفاع الأميركي- السعودي، ينبغي النظر فيها بجدية ومعالجتها.
أولا، أهم الأولويات الجيوسياسية الأميركية في الوقت الراهن هي مواجهة التحدي الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومواجهة روسيا في أوكرانيا. وستعني معاهدة دفاع مع المملكة العربية السعودية، مهما كانت محدودة، أخذ الأصول الأميركية العسكرية والدبلوماسية الثمينة من تلك المسارح ذات الأولوية والزج بها في الشرق الأوسط.
متظاهر فلسطيني في نابلس في 23 أغسطس
وهو ما قد يتعارض كليا مع استراتيجية الأمن القومي والدفاع الوطني. بالإضافة إلى ذلك، فإن تداول مثل هذا الاتفاق في أجهزة الدولة الأميركية خاصة النظام البيروقراطي في البنتاغون الشبيه بالمتاهة سيكون عملية صعبة وطويلة للغاية.
ثانيا، في حال تجنبت إيران العمل العسكري المباشر ضد المملكة العربية السعودية (برادع من معاهدة أميركية سعودية)، واستمرت بدل ذلك في النشاط بالمنطقة الرمادية وصعدت من أنشطتها المزعزعة لاستقرار المملكة عن طريق وكلائها الإقليميين، فعند ذلك كيف سترد واشنطن؟
وبعبارة أخرى إذا ما خُرقت الهدنة بين المملكة و"الحوثيين" الموالين لإيران (لرفض إيران أي تطبيع سعودي إسرائيلي محتمل) وهوجمت الأهداف المدنية السعودية مرة أخرى من قبلهم بالصواريخ البالستية الإيرانية، هل سيستوجب ذلك ويحرض على رد عسكري أميركي على إيران والحوثيين؟
وعلى نطاق أوسع، هل الولايات المتحدة الأميركية مستعدة لخوض حرب ضد إيران من أجل السعودية؟ لن يكون لواشنطن إجابات سهلة على هذه الأسئلة، على عكس مطالبة الرياض بتقديم إجابات عنها.
ثالثا، يمكن لاتفاق دفاعي أن يعمق الاعتماد الأمني للمملكة العربية السعودية على واشنطن ويعرقل الإصلاحات الدفاعية الضرورية.
وتتمثل إحدى رغبات واشنطن فيما يتعلق بشركائها الإقليميين العرب في بناء قدراتهم العسكرية الخاصة حتى يتمكنوا من حماية أنفسهم بشكل أفضل ومشاركة عبء الأمن الإقليمي. من المحتمل، وإن لم يكن حتميا، أن تؤخر معاهدة دفاع مع واشنطن هذا الاتجاه.
رابعا، قد يؤدي إنشاء معاهدة دفاع مع المملكة العربية السعودية إلى تعطيل العلاقات الأمنية الحالية مع لاعبين رئيسين مثل إسرائيل ومصر والإمارات العربية المتحدة؛ إذ سيكون على واشنطن أن تبرر قرارها باستبعاد هؤلاء الشركاء الإقليميين القدامى من مثل هذا الترتيب.
بل ويمكن أن يمتد ذلك إلى دول مثل تايوان وأوكرانيا. ولئن كان بوسع واشنطن أن تقوم بالفعل عينه معها فتقدم لها التزامات أمنية مماثلة لهم، إلا أنها ستكون في مخاطرة بالإفراط في توسيع الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وفي العالم. وفوق ذلك، سيتسبب رفع عدد اتفاقات الدفاع المشترك بظهور نقاط ضعف أمنية أكبر للولايات المتحدة.
من الناحية المنطقية، يمكن لعدد أكبر من الأطراف المشاركة في معاهدة دفاع أن يثير احتمال نشوب نزاعات ثنائية مسلحة، ليس فقط مع إيران ولكن أيضا مع خصوم آخرين. وبالتالي، لن يتعين على الولايات المتحدة فقط إدارة التوترات بين المملكة العربية السعودية وإيران، ولكن أيضا التعامل مع النزاعات المحتملة بين إيران ومصر وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة.
وخلاصة القول، فإن الالتزامات والتعقيدات الأمنية لواشنطن سوف تتعاظم إلى حد كبير.خامسا، هناك عيب محتمل في اتفاق الدفاع، لأنه قد يسمح لطهران، عن غير قصد، بتسريع سعيها لامتلاك القدرات النووية؛ إذ يمكن أن ترى إيران أن الطريقة المثلى لضمان بقاء نظامها وحماية نفسها من التهديدات الخارجية المتخيلة هي إعطاء الأولوية لمسار نووي عسكري. وسيكون من شأن هذا السيناريو زعزعة الأمن الإقليمي بشكل ملحوظ وتقويض الاستقرار الاستراتيجي العالمي وإحباط أي جهود من قبل الولايات المتحدة لمنع سباق تسلح نووي في المنطقة.
بدائل فعالة
ومع أن هذه التحديات ليست مستعصية على الحل، فإنني لا أزال أرى أنه ليس ثمة ما يبرر عقد معاهدة دفاع رسمية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، ولا سيما أن هنالك بدائل أكثر فعالية، وقد درستُها بدقة، لتعزيز العلاقات الأمنية بين البلدين.