يتمحور فيلم "مندوب الليل"، أحدث إنتاجات استوديو "تلفاز 11"، الذي يعرض في مهرجان تورونتو السينمائي لعام 2023 ضمن فئة Discovery، حول شخصية فهد، الشاب الذي يرزح تحت وطأة الضغوط المادية لإعالة والده المريض وأخته المطلّقة وابنتها، محاولا الموازنة بين وظيفته الأساسية ذات البيئة الساحقة في مركز العناية بالعملاء الخاص بشركة اتصالات، والوظيفة التي يحصل منها على دخل إضافي وهي مندوب توصيل الطلبات.
بالنسبة إليّ، تسبق مشاهدة أي فيلم سعودي درجة معينة من القلق، لأن العديد من التجارب السينمائية السعودية، يحتوي على تجريدية محسوسة بشكل واضح في أصوات صنّاعها، ويبدو أن صانعي هذه الأفلام يريدون قول العديد من الأشياء، لكنهم لا يمتلكون الأدوات السردية المناسبة. لذلك، لا أجد أنه من المصادفة إطلاقا أن أفضل الأفلام السعودية التي شاهدتها في السنوات الأخيرة كانت قصصا مباشرة وبسيطة، منها "شمس المعارف" للأخوين قدس و"أغنية الغراب" لمحمد السلمان، الذي على الرغم من تطعيمه برمزية مفرطة في بعض الأحيان إلا أنه في صميمه قصة حب خالصة.
فيلم "مندوب الليل"، من إخراج علي الكلثمي وبطولة محمد الدوخي وهاجر الشمري ومحمد الطويان وأبو سلو وسارة طيبة ومحمد القرعاوي (الذي شارك في كتابة الفيلم)، لا يبتعد كثيرا عن أفلام سبقته، فهو يرمي المشاهد في سيارة مع بطل الفيلم في ثاني مشاهده في زحمة مدينة الرياض الخانقة. ليس هناك أسلوب مباشر أكثر من هذا. منذ اللحظة الأولى ثمة سرعة ملحوظة ومناسبة في السرد، وتبدأ قبضة القلق بالإحكام على رقبة المشاهد، فلا يحتاج الكلثمي إلى وقت طويل أو حوارات مكثفة حتى يؤسّس بناء دراميا محكما لشخصية بطل الفيلم وما يمرّ به. نشاهد فهد عالقا في زحمة داخل نفق مليء بالسيارات والهموم والمشاكل، متأخرا على اجتماع مهم ويتعرّض للتوبيخ من مديره المباشر (محمد القرعاوي في دور ممتاز)، يخرج من سيارته هارعا إلى الاجتماع ومخفيا حقيبة توصيل الطلبات في السيارة. إنه غارق في فوضى ليس مسؤولا عنها، لقد وُجد في هذه الفوضى، وكل ما يحاول فعله هو العثور على زاوية خالية يستطيع أخذ قسط من الراحة فيها، لأنه حُكم عليه بالبقاء في هذه الفوضى منذ نعومة أظفاره. قد يصف البعض فهد بأنه قنبلة موقوتة، لكن ذلك يعني الافتراض أنه سوف ينفجر مرة واحدة، وهذا افتراض خاطئ، لأنه في الواقع حقل ألغام.