بعد ثلاثين عاما على المفاوضات السرية في العاصمة النروجية أوسلو، بين وفد منظمة التحرير الفلسطينية والوفد الإسرائيلي، والتي أفضت إلى التوقيع على "اتفاق أوسلو"، من المفيد الإشارة بشكل تناقضي إلى أنه لا شيء في الوضع الفلسطيني أو الوضع الإسرائيلي- وما بينهما، يمكن فصله عن تداعيات الاتفاق التاريخي آنذاك. وفي الوقت نفسه يمكن التأكيد على أنه ليس كل شيء مرتبطا بذلك، بل إن عوامل داخلية ومحلية وعالمية وعربية وإسلامية، لعبت كذلك أدوارا في إيصالنا إلى هنا. لذلك فقد قررت أن أبدأ في تحليل هذا من هنا، من الوقت الحاضر، وأن أعود لربط ذلك بما حصل في بيت بعيد في ضواحي أوسلو قبل ثلاثين عاما ونيف.
نشرت المجلة الأميركية "فورن بوليسي" في عدد يوليو/تموز 2023 تقريرا عن حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير. وقد قام كاتبا التقرير بتقديم صورة تفصيلية لشخصية المرشح الأول لخلافة محمود عباس في قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، أي قيادة الشعب الفلسطيني رسميا. والتقرير يفيد أننا أمام شخصية تترقب ببرود وصولها إلى منصب القيادة، مستثمرة لمنصبها للقيام بأعمال مسيئة للفلسطينيين ومشوبة بالكثير من الفساد والتعامل مع الاحتلال، كشريك، لا كعدو يغتصب مقدرات الشعب الفلسطيني.
والشيخ كما هو معروف بدأ مناصبه القيادية في "الأمن الوقائي" تحت قيادة جبريل الرجوب، وبعده قاد الجهاز الأمني ومن ثم تنقل إلى مناصب متعددة ليصل إلى منصب وزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، وهي الوزارة التي تنسق مع الإسرائيليين تفاصيل تنقلات وعمل وحتى العلاقات التجارية التي يقوم بها الفلسطينيون في الضفة وغزة رسميا، رغم أنها خارج نطاق قدرة سلطة رام الله، وتستغل من قبل الشيخ ورجالاته لتعظيم دورهم على حساب الفلسطيني العادي المجبر على العمل في إسرائيل أو التنقل للأردن، ومنه إلى العالم.
الأهم هو أن الشيخ صاحب شخصية رمادية، ليس لها لون واضح ولا مشروع ولا رؤية واضحة، وقد يكون مشابها بهذا ولو جزئيا لمحمود عباس، إلا أنه يحسب لعباس كونه عضوا في المجموعة التأسيسية لحركة "فتح"، وبعد ذلك قيادي في منظمة التحرير، وله رؤية تبدو مبلورة، تتركز في التفتيش عن دولة فلسطينية، وتقريبا بأي ثمن، وتجيير كل جهد لأجل ذلك، حتى عندما تبين نهائيا أن الدولة الفلسطينية لن تكون. وإن كانت السلطة كيانا يتمتع ببعض الصلاحيات في مناطق "أ"، إلا أنها لم (ولن) تتقدم أكثر من ذلك، وجوهريا هي تقوم بدور الوكيل الثانوي لإسرائيل في التحكم بالفلسطينيين في الضفة الغربية.