في اليوم الذي حاولت فيه "المجلة" دخول بلدة "قره قوش"، مركز قضاء الحمدانية شرقي مدينة الموصل، كانت عدة حواجز لـ"اللواء 50" من الحشد الشعبي تُدقق في الأوراق الثبوتية للقادمين إلى البلدة، وتمنع غير سكانها من دخولها، بغية منع مظاهرة/وقفة احتجاجية دعا "مجلس مطارنة نينوى" إليها، اعتراضا على حملات "التغيير الديموغرافي والجغرافي" التي تطال المسيحيين ومناطقهم في كامل المنطقة الشرقية والشمالية من مدينة الموصل، المسماة عرفا "سهل نينوى".
مجلس المطارنة، ومعه كثير من الشخصيات المدنية والاقتصادية والاجتماعية المسيحية في تلك المنطقة، يتهمون "اللواء 50" من الحشد الشعبي، الذي يقوده "ريان الكلداني"، بالارتباط بالأجندة والسياسات التي تحملها الأحزاب "الشيعية" المركزية في العراق، وتسعى لـ"تشييع" منطقة "سهل نينوى"، عبر الاستيلاء على الممتلكات الوقفية والمؤسسات الكنسية والمراكز الوظيفية والمقاعد التمثيلية للمسيحيين في تلك المنطقة، بدعم من الأحزاب "الشيعية"، عبر سعي هذا الفصيل المسلح، وتنظيمه السياسي "حركة بابليون"، الاستجابة لاستراتيجية تلك الأحزاب، وبيع الأراضي والممتلكات المسيحية لجهات بعينها، وتاليا تغيير الهوية "الدينية والثقافية والاجتماعية والقومية" لكثير من القرى والبلدات والأقضية ذات الأغلبية المسيحية في تلك المنطقة.
التفصيل المتعلق بهذه "المواجهة" بين الهيئات الكنسية المسيحية والتنظيم السياسي/ المسلح، يكاد أن يكون صورة مصغرة عن مختلف أشكال الحساسيات والتوازنات والاتهامات المتبادلة بين القوى السياسية والاجتماعية المسلحة في كامل منطقة "سهل نينوى"، التي تمتد على كامل جغرافيا شمال مدينة الموصل، بين نهر "الزاب الكبير" شرقا، ونهر دجلة غربا، المقدرة بحوالي 5 آلاف كيلومتر مربع، وبسكان يزيد عددهم على نصف مليون نسمة، يتوزعون على طيف واسع من القوميات والأديان والمذاهب، من عرب وكُرد وشبك وآشوريين وتركمان، مسلمين (سُنة وشيعة) ومسيحيين بكل طوائفهم، إلى جانب الإيزيديين والكاكائيين واليارسان، يقطنون متجاورين ومتداخلين في ثلاثة أقضية تشكل القوس الشمالي لمحافظة نينوى (الموصل)، هي الحمدانية، وشيخان/بعشيقة، وتلكيف.
حدثت خلال السنوات الماضية "خضات أمنية" مريعة بحق السكان المحليين في تلك المنطقة، بعد احتلال تنظيم داعش الإرهابي لمساحات واسعة منها، وارتكابه لجرائم بحق المسيحيين والإيزيديين والكاكائيين والشيعة، وحتى بعض العشائر العربية "السُنية"، الذين كانوا يشكلون مجتمعين أغلبية سكان تلك المنطقة.
لكن، وبعد سنوات من "تحرير" منطقة "سهل نينوى" من تنظيم داعش، ما تزال الحياة العامة قائمة على حساسيات قومية ودينية وطائفية ومناطقية، قابلة للاندلاع، كما شرح كثير من المراقبين والسكان المحليين الذين التقتهم "المجلة" خلال جولتها على مختلف قرى وبلدات وأقضية "سهل نينوى".