تابع المراقبون الأتراك باهتمام كلام الرئيس رجب طيب إردوغان الأسبوع الماضي عندما دافع عن خطة اقتصادية جديدة متوسطة المدى، وهي خطة مختلفة تماما عن السياسات السابقة التي ساهمت في أزمة العملة التاريخية. وفيما يُنظر إلى هذا التحول كحل محتمل لمعالجة مشاكل تركيا الاقتصادية، فإنه يواجه تحديات فورية مثل ارتفاع التضخم وزيادة معدلات البطالة.
وبينما تتصور تركيا مستقبلا اقتصاديا أكثر إشراقا، ثمة رواية ثانية يرويها السوريون شمال غربي سوريا الذين اعتمدوا عام 2020 على الليرة التركية في معاملاتهم اليومية. وفي بيئة تتحكم بها سلطات الأمر الواقع المعزولة عن السكان وتعاني من نقص التمويل، يضطر السوريون المقيمون هناك إلى تحمل أعباء تبعات انخفاض قيمة الليرة التركية على عاتقهم. والسؤال الحاسم بالنسبة لهم هو ما إذا كان بإمكانهم تحمل المشاقّ الاقتصادية لفترة كافية قبل أن يروا التحسينات المحتملة على المدى المتوسط إلى الطويل في الليرة التركية.
وكانت سلطات الأمر الواقع في شمال غربي سوريا، عبر الحدود التركية، قد اعتمدت في يونيو/حزيران 2020 الليرة التركية لحماية قوتها الشرائية ردا على التدهور الحاد في قيمة الليرة السورية، المدفوع جزئيا بالاضطرابات المالية في لبنان. وأدى هذا التدهور إلى انخفاض مذهل بنسبة 70 في المئة في العملة السورية في غضون أسابيع.
وينبع قرار التحول إلى الليرة التركية من عدة عوامل، بما في ذلك استقرارها النسبي، وزيادة الاعتماد على الواردات التركية في المنطقة، والاستخدام المتزايد لليرة في المعاملات اليومية. ولكن الليرة التركية نفسها تعرضت لانخفاض مستمر مقابل الدولار الأميركي بدءا من عام 2021. ودخلت فترة من الاضطراب الكبير، مع تقلبات شهدت انخفاضها من 8.6 لكل دولار واحد في يونيو/حزيران 2020 عندما تم اعتمادها مبدئيا في شمال غربي سوريا، إلى 26.8 في الوقت الحالي.
بينما تتصور تركيا مستقبلا اقتصاديا أكثر إشراقا، ثمة رواية ثانية يرويها السوريون شمال غربي سوريا الذين اعتمدوا عام 2020 على الليرة التركية في معاملاتهم اليومية
لقد أدى التضخم في تركيا بالفعل إلى زيادات كبيرة في الأسعار في شمال غربي سوريا، مع ارتفاعات قياسية ومتكررة. ولم يقتصر تأثير انخفاض قيمة الليرة التركية على السلع المستوردة فحسب، بل امتد أكثر من ذلك، ليؤثر على المواد المنتجة محليا مثل زيت الزيتون والبرغل.
ويكافح أصحاب الأعمال من أجل التكيف مع تقلبات الليرة التركية، مما أدى إلى ارتفاع أكبر للأسعار. ووسط حالة عدم الاستقرار هذه، ظهر اتجاه ملحوظ حيث بدأ التعامل بالدولار الأميركي بدلا من الليرة التركية يتزايد، وخاصة بالنسبة للمشتريات الكبيرة. ويشمل هذا التحول شراء السلع والمنتجات المحلية المصنعة في تركيا، مما يساهم في زيادة أسعار هذه العناصر بشكل أكبر.
علاوة على ذلك، فإن غياب التدابير القوية لحماية المستهلك التي تطبقها السلطات المحلية سمح للتجار بإعطاء الأولوية لمصالحهم الخاصة، حتى لو كان لذلك عواقب سلبية على عموم السكان.
وفي حين تنتقل الأسواق المحلية إلى التعامل بالدولار، لا تزال رواتب الغالبية العظمى من الوظائف تُدفع إلى حد كبير بالليرة التركية أو الليرة السورية، وغالبا دون تعديلات روتينية تناسب التضخم. ونتيجة لذلك، يضطر السكان إلى اعتماد استراتيجيات مبتكرة لمواجهة الارتفاع غير المسبوق في تكاليف المعيشة.
كما أدى ارتفاع تقلبات العملة إلى تحفيز سلوك المضاربة بين التجار وأصحاب الأعمال. وبحسب ما ورد اعتمد كثير من المتداولين نهجا حذرا، حيث حدوا من بيع بعض العناصر خلال فترات التقلبات الواضحة حتى تستقر أسعار الصرف، وذلك من أجل حماية أرباحهم. وأولئك الذين يشترون المواد من تركيا باستخدام الليرة التركية قاموا في كثير من الأحيان برفع أسعار سلعهم المخزنة للحفاظ على هوامش ربحهم عندما يواجه سعر الصرف تقلبات.
وعلى الرغم من الإزعاج، يقوم كثير من السكان بزيارة متاجر متعددة لمقارنة الأسعار، والاستفادة من التناقضات بسبب أسعار الصرف المختلفة وهوامش الربح. ويختار بعض القادرين تحمل تكاليف الشراء مباشرة من تجار الجملة بكميات أكبر، على الرغم مما يقتضي ذلك من وقت إضافي ومن إرهاق السفر.
علاوة على ذلك، فإن آليات التكيف السلبية آخذة في الارتفاع. وعادة ما يقترض السكان الأموال لتغطية مشترياتهم ويخرجون أطفالهم من المدارس لتشغيلهم، بل ويقوم الأهالي بتقنين استهلاكهم الغذائي، ناهيك عن تشجيع الزواج المبكر أو القسري كوسيلة للتخفيف من الصعوبات المالية.
بالإضافة إلى ذلك، يقوم بعض الأشخاص بشراء منتجات اقتربت من– أو تجاوزت– تاريخ انتهاء صلاحيتها لأنها أرخص قليلا، على الرغم من مخاطر التسمم الغذائي أو الأمراض الخطيرة.
يكافح أصحاب الأعمال من أجل التكيف مع تقلبات الليرة التركية، مما أدى إلى ارتفاع أكبر للأسعار
ومع التخفيضات الكبيرة في المساعدات الغذائية في الأشهر الأخيرة، تكافح منظمات الإغاثة لسد الفجوة الآخذة في الاتساع في تلبية احتياجات الأسر النازحة وغيرها من الفئات الضعيفة. ونتيجة لذلك، يتراكم المزيد من الديون على هذه المجموعات وتعتمد بشكل كبير على الائتمان في مشترياتها. ومن الممكن أن يؤدي هذا الوضع إلى أخطار الحماية والسلامة في المستقبل إذا تركت الديون دون سداد.
وترسم توقعات البنك المركزي التركي صورة أكثر قتامة، مع احتمال ارتفاع معدلات التضخم إلى 58 في المئة بحلول نهاية العام. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الضغط على الأسعار والقوة الشرائية في شمال غربي سوريا. وعلى الرغم من هذه الاتجاهات المثيرة للقلق، فإن السلطات المحلية تجد نفسها عاجزة عندما يتعلق الأمر بتبني عملات بديلة بسبب شبكة معقدة من التحديات السياسية واللوجستية.
ونتيجة لذلك، يجد السوريون، الذين يعانون بالفعل من ظروف اقتصادية صعبة، أنفسهم بلا خيار سوى التمسك بالأمل في قدرتهم على التحمل لفترة كافية، عساهم يشهدون بعدها مستقبلا اقتصاديا أكثر إشراقا وأقل قسوة.