تسابق فرق الإغاثة والإنقاذ العسكرية المدنية والطبية الزمن، للوصول إلى أشخاص لا يزالون عالقين تحت ركام مساكنهم المنهارة جراء الزلزال المدمر، الذي امتد على مساحة 500 كلم في جبال الأطلس في المغرب.
وخلّف الزلزال حتى كتابة هذه الكلمات أكثر من 2122 قتيلا و2421 من الجرحى معظمهم في وضع حرج، فيما تعوق الطبيعة الجغرافية للزلزال عمليات الانقاذ. وتقاطرت المساعدات الاغاثية العربية والأجنبية، وفي مقدمها وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتسيير جسر جوي لتقديم مساعدات إغاثية متنوعة، لتخفيف آثار الزلزال المدمر الذي ضرب المغرب ليلة الجمعة - السبت. وسيتم إرسال فرق من البحث والإنقاذ في المديرية العامة للدفاع المدني وهيئة الهلال الأحمر السعودي لتقديم المساعدات الإنسانية، والمساهمة في الأعمال الإغاثية وإنقاذ العالقين والمحتجزين والمتضررين من الزلزال، الذي خلف خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
وأفادت الحكومة المغربية أنها استجابت لعروض أربع دول شقيقة وصديقة عرضت المساعدة في عمليات الإنقاذ وإخراج الضحايا من تحت الأنقاض، هي الإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة، وإسبانيا، وقطر. وقالت إنها تدرس عروض دول أخرى اقترحت خدمات إنسانية ولوجستية لتخفيف آثار الزلزال ومخلفاته، ستتم الاستجابة إليها بحسب الحاجة، تجنبا لأي تدافع قد تكون له نتائج سلبية.
تحولت مراكش إلى مقر مركزي لتدبير مخلفات الزلزال وتداعياته المختلفة، وتتقاطر عشرات القنوات الإعلامية الدولية الى المدينة التي تستعد لاحتضان اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في 9 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل
وأعلنت نحو 40 دولة، منها الجزائر، رغبتها في المساهمة في الجهود الدولية لمواجهة مخلفات الزلزال. وأعلنت وزارة الخارجية الجزائرية عزمها على فتح الأجواء الوطنية أمام الطائرات والرحلات الجوية التي تنقل المساعدات الإنسانية نحو المغرب.
وأبدت الجزائر استعدادها لإرسال 80 من خبراء الدفاع المدني للإنقاذ والإغاثة وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة للإسعاف الطبي للجرحى، وخيام وفرش للمتضررين، ووضع الإمكانات المادية واللوجستية الضرورية في التصرف للمساعدة في تخفيف أضرار الزلزال. وربطت إرسال تلك المساعدات بموافقة الطرف المغربي، بسبب العلاقات الديبلوماسية المقطوعة بين البلدين منذ صيف 2021. وتقوم جمعيات المجتمع المدني بجمع تبرعات لضحايا زلزال المغرب تحت اسم "حملة الأخوة".
وأعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن حزنه على ضحايا الزلزال الذي ضرب المغرب وخلف خسائر كارثية في قرى جبال الأطلس، التي يحب السياح الأميركيون السفر إليها لجبالها الشاهقة وجمال طبيعتها وبساطة الحياة فيها. وقال بيان السفارة الأميركية في الرباط نقلا عن الرئيس بايدن "أشعر بحزن بالغ لخسارة الأرواح والدمار بفعل الزلزال الذي ضرب المغرب. ونقف على أهبة الاستعداد لتوفير أي مساعدات ضرورية للشعب المغربي. تقف الولايات المتحدة إلى جانب المغرب وصديقي الملك محمد السادس في هذا الوقت العصيب".
فداحة الضحايا
وأفادت وزارة الداخلية المغربية في بيان أن حصيلة ضحايا "الزلزال المدمر ارتفعت إلى 1351 قتيلا في إقليم الحوز، و492 في إقليم تارودانت، و201 في إقليم شيشاوة، و17 قتيلا في مدينة مراكش ومحيطها. ولم يتم تسجيل أي وفيات جديدة في مدن أغادير والدار البيضاء وأقاليم وارزازات واليوسفية وتنغير".
وتسابق فرق الإغاثة الزمن، للوصول إلى العالقين تحت ركام مساكنهم المنهارة على امتداد مساحة 500 كلم في جبال الأطلس.
وكانت عمليات الإنقاذ واجهت في الساعات الأولى من الفاجعة صعوبات، بسبب التضاريس الجبلية الوعرة، وانتشار عشرات القرى المتضررة على سفوح جبال الأطلس التي ترتفع نحو 4000 متر فوق سطح البحر، وعدم وجود طرق معبدة كافية.
وعطّل تساقط صخور ضخمة من اعالي الجبال، إيصال مساعدات طبية وغذائية عاجلة إلى قرى دمرها الزلزال جزئيا أو كليا. كما واجهت شاحنات ضخمة وآليات الحفر والتجريف تحديات في الصعود إلى الجبل، واستعانت بسيارات خفيفة مما أخّر زمن وصول المساعدات وتدخل سيارات الإسعاف.
ولا تزال قرى نائية معزولة عن العالم الخارجي حتى بعد مرور ثلاثة أيام على الفاجعة، وربما تحولت تلك المنازل هناك إلى قبور. وتستخدم القوات المسلحة الملكية الطائرات والمروحيات لإيصال المساعدات وإخراج الجرحى، ونقلهم على عجل إلى المستشفيات المجاورة، لتسريع عمليات الإغاثة والإنقاذ، وإنتشال أحياء (على قلتهم) من تحت منازل معظمها غير قادر على الصمود بعد ما أصابها من تصدع وخراب.
تقدر منظمة الصحة العالمية عدد المنكوبين بنحو 300 ألف شخص أصبحوا من دون منازل، ويحتاجون إلى خيام وأغطية ومساعدات طبية عاجلة، وحتى نفسية، بعد فقدان أقارب وأحباء، خاصة الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم في الفاجعة
وتحولت مدينة مراكش إلى مقر مركزي لتدبير مخلفات الزلزال وتداعياته المختلفة، وتتقاطر عشرات القنوات الإعلامية الدولية الى المدينة التي تستعد لاحتضان اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين. وتصل تباعا إلى عاصمة جبال الأطلس المساعدات الواردة من الدول الشقيقة والصديقة والمجتمع المدني.
ويعمل مستشفى محمد السادس على مدار الساعة في استقبال الجرحى والمصابين من كل القرى المحيطة بالاقليم. وتقوم جمعيات مدنية بدعم الأطر الطبية في مساعدة المصابين وأحيانا مداواتهم في باحة المستشفى، في حال عدم توفر سرير فارغ، بسبب عدد المنكوبين.
وقالت السلطات المغربية "إن الجهود لا تزال متواصلة لإنقاذ وإجلاء الجرحى وتكفل المصابين والضحايا ومعالجة آثار الفاجعة وإيواء المتضررين وتوفير الطعام والتغطية". وأعلن الوزير المكلف من البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بيتاس، أنه، وبتعليمات من الملك محمد السادس، سوف تتم إعادة إعمار القرى المتضررة وبناء المنازل المدمرة على نفقة الدولة.
وتضررت آلاف المنازل التي تهدمت أو تصدعت وغدت غير صالحة للسكن، وتنصح الجهات الرسمية تجنب العودة إلى المنازل المهددة بالسقوط. وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد المنكوبين بنحو 300 ألف شخص أصبحوا من دون منازل، ويحتاجون إلى خيام وأغطية ومساعدات طبية عاجلة، وحتى نفسية، بعد فقدان أقارب وأحباء، خاصة الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم في الفاجعة، وتغيرت ظروف حياتهم فجأة، مما قد يشكل لهم صدمة انتقال من بيت وأسرة واستقرار، إلى خيمة مع غرباء.
وقضت آلاف الأسر ليلتها الثالثة في الخيام أو داخل الحدائق وفي المساحات الخضراء والأماكن الفارغة أو حتى في الشارع العام، خوفا من انهيار منازلهم التي تضررت وتصدعت بسبب الزلزال الذي بلغ 7 درجات على سلم ريختر. وعلى الرغم من أن بعض تلك المنازل لم يسقط تماما إلا أنها لم تعد صالحة للسكن، وهي آيلة للسقوط لدى أي هزة قوية. ورصد معهد الزلزال الأوروبي هزات جديدة بدرجة 4,5 في محيط مدينة مراكش وفي إقليم الحوز الأكثر تضررا. وتثير هذه الهزات الذعر والخوف وتدفع الناس إلى النوم في العراء، وافتراش ما تيسر من الأغطية في ظروف صعبة.
25 قنبلة نووية
وقال أستاذ علوم الزلازل والكوارث الطبيعية في الجامعة الهاشمية في الأردن، عيد الطرزي، إن قوة الزلزال الذي ضرب المغرب تعادل 25 قنبلة نووية، من ناحية كمية التفجير التي تتسبب بها هذه القنابل، وفق "سبوتنيك".
وأوضح أن زلزالا بقوة 7 درجات على مقياس ريختر قوي جدا، وقادر على إنتاج تسارع أرضي في بؤرة الزلزال يتراوح ما بين 200 إلى 300 سنتيمتر مربع في الثانية، وهو قادر على تدمير المنشآت، خاصة تلك التي لم تصمم بشكل مقاوم للزلازل، ولم تكن أساسياتها مدروسة بشكل جيد من الناحية الجيولوجية والطوبوغرافية.
وتقع دول المغرب الكبير في منطقة تلاقي الصفائح التكتونية العربية اليوراسية والأفريقية، وهي مهددة دوما بهزات أرضية، لكنها المرة الأولى التي تتجاوز 7 درجات على سلم ريختر، أي 35 مرة أقوى من الزلزال الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا في مطلع السنة الجارية. وكان أكبر زلزال مدمر شهده المغرب عام 1960 تسبب في تدمير الجزء الأكبر من مدينة أغادير وقتل ثلث سكانها.
اعتبرت هيئة المسح الأميركي زلزال حوز مراكش الأكثر دمارا في تاريخ المغرب، وقدرت تكلفة خسائره بنحو 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي بين 2,5 إلى 3 مليارات دولار.
تضررت أماكن تراثية وتاريخية من الزلزال، إذ انهارت أجزاء من أسوار مراكش وتضررت أطراف من ساحة الفنا السياحية الشهيرة وسط المدينة التي يزيد عمرها على ألف سنة
ويعتقد خبراء أن التضامن العالمي مع المغرب في محنة الزلزال قد يساعد في تخفيف التداعيات الاقتصادية والاجتماعية. وكانت مجموعة العشرين في اجتماعها في نيودلهي، أذاعت بيانا مشتركا مع صندوق النقد الدولي أعربت فيه عن تضامنها مع الشعب المغربي والاستعداد لمساعدة الرباط بحسب الحاجة.
تضرر مواقع تراثية
وتضررت أماكن تراثية وتاريخية من الزلزال، إذ انهارت أجزاء من أسوار مراكش وتضررت أطراف من ساحة الفنا السياحية الشهيرة وسط المدينة التي يزيد عمرها على ألف سنة. كما تهاوت مبان في الحي اليهودي التاريخي المعروف باسم الملاح.
وطاول الدمار دعامات مسجد تنميل التاريخي فوق جبال الأطلس وهو الأقدم في المنطقة كلها، ويعود تاريخه إلى فترة نشأة دولة الموحدين بقيادة المهدي بن تومرت في القرن العاشر. كما تضررت قصبات عتيقة في أغادير وتارودانت جراء الزلزال. وهي بُنيت بين 1528 و1540 ولم تنل منها زلازل سابقة كان أقواها زلزال عام 1755 الذي دمر لشبونة عاصمة البرتغال وامتد إلى سواحل المغرب.
ووصل فريق في حفظ التراث تابع لمنظمة الـ"يونيسكو"، لتقييم الأضرار التي أصابت المباني التاريخية المصنفة تراثا إنسانيا، في مراكش وتارودانت، وكانت المدينتان عاصمتين للمغرب في مراحل مختلفة من تاريخ يمتد 13 قرنا، ويشهد لقوة الحضارة والعمارة الإسلامية في المنطقة المغاربية وغرب أفريقيا والبحر المتوسط.