تجاوزت أسعار النفط 90 دولارا للبرميل للمرة الأولى عام 2023، مع إعلان كل من المملكة العربية السعودية وروسيا تمديد تخفيضات الإنتاج والتصدير الطوعية حتى نهاية العام. وقد أثارت هذه الخطوة المخاوف من ارتفاع التضخم على مستوى العالم في الوقت الذي تعاني معظم دوله من تداعيات ارتفاع تكاليف الطاقة.
تمسكت المملكة بسياسة نفطية حازمة على الرغم من الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة لزيادة الإنتاج والمساهمة في تهدئة التضخم. وفي بيان لوزارة الطاقة السعودية في مطلع شهر سبتمبر/أيلول الجاري أعلن مصدر مسؤول في الوزارة أن "المملكة العربية السعودية ستقوم بتمديد الخفض الطوعي، البالغ مليون برميل يوميا، والذي بدأ تطبيقه في يوليو/تموز 2023، لثلاثة شهور أخرى، أي حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول من عام 2023، وبذلك سينخفض إنتاج المملكة في الأشهر الثلاثة القادمة إلى ما يقارب 9 ملايين برميل أي أقل بنسبة 25 في المئة من طاقتها القصوى البالغة 12 مليون برميل يوميا".
وأشار المصدر إلى أنه ستتم مراجعة قرار الخفض بشكل شهري للنظر في زيادة الخفض، أو زيادة الإنتاج، وأن هذا الخفض الطوعي الإضافي يهدف لتعزيز الجهود الاحترازية التي تبذلها دول "أوبك بلس" بهدف دعم استقرار أسواق البترول وتوازنها.
وفي هذا الإطار، يشير تقرير نشرته صحيفة "الفايننشيال تايمز" البريطانية إلى التوازي بين قرار المملكة، التي تقود مع روسيا مجموعة "أوبك بلس"، بتمديد خفض الإنتاج والقرار الروسي الذي أعلنه نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، بتمديد الخفض الطوعي لإنتاج النفط بمقدار 300 ألف برميل يوميا حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023. ويخلص التقرير إلى أن هذه الخطوة الهادفة لتعزيز الأسعار ستثير التوترات مع البيت الأبيض الذي انتقد تعاون المملكة الوثيق مع روسيا، على الرغم من غزو موسكو الواسع النطاق لأوكرانيا وتحويل إمدادات الغاز الطبيعي كسلاح نحو أوروبا.
فما هي الأسباب الحقيقية لخفض الإنتاج؟
أولا: تراجع واردات وصادرات الصين بما يهدد تعافي ثاني أكبر اقتصاد في العالم
يشير استطلاع أجرته وكالة "رويترز" إلى هبوط واردات الصين بنسبة 12.4 في المئة في يوليو/تموز المنصرم، وإلى انخفاض الصادرات بمعدل 14.5 في المئة، وهو ما يتجاوز الانخفاض المسجل في يونيو/حزيران السابق وقدره 12.4 في المئة، وفقا لبيانات الجمارك الصينية.
كما تراجعت أسعار المشتقات النفطية في آسيا جراء تباطؤ الطلب عليها من الصين، أكبر مستورد للمشتقات الخام، وقد طغى ذلك على مخاوف النقص في الإمدادات الناجم عن تخفيضات الإنتاج من قبل المملكة العربية السعودية وروسيا.
التراجع في الطلب على مشتقات الطاقة كان النتيجة الحتمية للتراجع في واردات الصين وصادراتها بوتيرة غير متوقعة وبما يهدد آفاق النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم؛ فبالرغم من النمو الضعيف الذي سجله الاقتصاد الصيني في الربع الثاني من عام 2023، وتعهدات الحكومة بتقديم المزيد من الدعم لكن توقعات المحللين تؤشر إلى احتمال حصول المزيد من التباطؤ في الربع الثالث من العام في ظلّ ضعف قطاعات البناء، والتصنيع، والخدمات، وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر والأرباح الصناعية.