جاء الحضور السعودي في قمة مجموعة العشرين مميزا، ليس لكون المملكة العربية السعودية الأعلى نموا على المستوى الاقتصادي بين دول المجموعة بحسب تقرير صندوق النقد الدولي الأخير، وليس لأنها في المركز الثاني في الأداء الاقتصادي بين دول المجموعة والسادسة عالميا مع تقدمها 25 مرتبة، بحسب مؤشر التنافسية العالمية لعام 2023، ولكن لما تميز به الحدث من إعلان ولي العهد السعودي، رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان توقيع مذكرة تفاهم للشراكة من أجل تطوير ممرٍ اقتصادي خاطفٍ للأضواء بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.
سيساهم الممر الاقتصادي في تطوير البنى التحتية التي تشمل السكك الحديد، وربط موانئ الشرق الأوسط وأوروبا والهند، وسيعزز أمن الطاقة العالمي من خلال مد خطوط أنابيب لتصدير الكهرباء والهيدروجين، إضافة إلى مد كابلات لنقل البيانات.
الممر الجديد وطريق الحرير
يقضي طريق الحرير الصيني ببناء حزام بري يربط الصين بأوروبا الغربية عبر آسيا الوسطى وروسيا، إضافة إلى طرق بحرية للوصول إلى أفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي، ويهدف إلى تحسين العلاقات التجارية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا. تريد الصين من خلال طريق الحرير تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق، وفتح منافذ جديدة لمنتجاتها.
على الرغم من الفوائد الاقتصادية والاستراتيجية لطريق الحرير الصيني، إلا أن هناك بعض الانتقادات للمشروع بأنه قد يعمل على تعزيز نفوذ الشركات الصينية فقط بشكل أساسي، وأن ذلك من شأنه، في الوقت عينه، أن ينصب فخ الديون للدول التي تستفيد من قروض تمنحها المصارف الصينية. وعلى الرغم من أن السعودية تعتبر إحدى أهم الدول المطلة على طريق الحرير، البالغ عددها 65 دولة، وتقع على أهم الممرات البحرية التجارية في العالم، إلا أن المملكة ليست المركز اللوجستي الرئيسي للمشروع الصيني كما هي الحال بالنسبة إلى الممر الاقتصادي الجديد.
على الرغم من الفوائد الاقتصادية والاستراتيجية لطريق الحرير الصيني، إلا أن هناك بعض الانتقادات للمشروع بأنه قد يعمل على تعزيز نفوذ الشركات الصينية فقط بشكل أساسي، وأن ذلك من شأنه، في الوقت نفسه، أن ينصب فخ الديون للدول
يُرتقب أن يغير الممر الاقتصادي الجديد وجه التجارة العالمية ولا يمكن الجزم بمدى تأثيره على طريق الحرير الصيني، فقد يعزز من مكانته بدل أن ينافسه، وهذا كله يعتمد على كيفية بناء وتمويل الطريق واستفادة الدول التي يعبر من خلالها اقتصاديا. فالنموذج الصيني لبناء طريق الحرير يعتمد على إقراض الدول وتكدس المديونية، بينما يعتمد الممر الاقتصادي الجديد على نموذج الشراكة التجارية.
أما بالنسبة إلى الدول العربية، فيتوقع أن يكون للممر الاقتصادي الجديد أثر إيجابي على اقتصاداتها يفوق ما يعد به طريق الحرير الصيني، حيث أن جزءا كبيرا من حركة الممر الاقتصادي سيكون عبر المملكة العربية السعودية، وهذا سيمكّن الدول العربية والخليجية المجاورة من توصيل خطوط سكك حديد وتعزيز الافادة من الجوانب الاقتصادية للممر الذي سيعبر 59 منطقة لوجستية، وسيكون مرتبطا بموانئ المملكة البرية والجوية والبحرية، التي هي في طبيعة الحال، مركز لوجستي إقليمي وعالمي. هذه الميزات قد لا تكون موجودة بشكل أساسي في طريق الحرير الصيني الذي يحاذي الدول العربية ولكن لا يمر عبرها.
من الواضح أن السعودية ستكون قلب الممر الاقتصادي الذي سيساهم في تأمين سلاسل الامداد، وكذلك تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية من داخل المملكة ومراكز بياناتها، مما سيفيد الدول العربية والخليجية، وسيوفر فرص عمل طويلة الأمد، وسيكون له، تاليا، أثر إيجابي على شعوب المنطقة واقتصاداتها، ويحوّل دول الخليج والوطن العربي إلى محور العالم الاقتصادي.
صحيح أن السعودية تشكل محورا رئيسا في مشروع الممر الاقتصادي الطموح اقتصاديا وسياسيا، الا ان البعد الاستراتيجي للمشروع ليس في الضرورة للرد على مشروع طريق الحرير الصيني، وليس لأن الغياب الصيني عن قمة نيودلهي أثر عليها سلبا وأعطى فرصة لمنافسيها. فبعيدا عن أي خلاف تاريخي على النفوذ، يفترض بالعوامل الاقتصادية للمشروع انها تلغي اي توترات سياسية سابقة، كون الهند تتقدم بخطوات واثقة لمنافسة الصين اقتصاديا، وقد يضع الممر الاقتصادي بكين امام واقع اقتصادي وسياسي جديد بعيدا من اي محاولات سابقة لانجراف الهند الى تكتلات جيوسياسية تنافسية.
لا شك أن التطور الهندسي سيمكّن من التغلب على صعوبات التضاريس الطبيعية لعبور الممر من خلالها، إلا أن أكبر التحديات قد يكون في التضاريس السياسية، قد يتطلب عبور الممر الاقتصادي عبر فلسطين تسويات سياسية مع اسرائيل، وليس في الضرورة تطبيع العلاقات
لا شك أن التطور الهندسي سيمكّن من التغلب على صعوبات التضاريس الطبيعية لعبور الممر من خلالها، إلا أن أكبر التحديات قد يكون في التضاريس السياسية. بعيدا من الخوض في العمق السياسي، قد يتطلب عبور الممر الاقتصادي عبر فلسطين تسويات سياسية مع اسرائيل، وليس في الضرورة تطبيع العلاقات، هذه التسويات سوف تضمن حرية المرور للبضائع وسلاسة العمليات اللوجستية. وبالطبع، سيكون الوضع السياسي والأمني من حروب وأزمات اقتصادية في الدول التي سيمر عبرها هذا الممر، الفيصل في تقدم المشروع من عدمه.
لدى السعودية رؤية طموحة بدأت مخرجاتها تترجم على أرض الواقع، برنامجا اقتصاديا ضخما، من أهدافه أن تكون المملكة مركزا لوجستيا عالميا يقع في قلب العالم بين ثلاث قارات، آسيا وأفريقيا وأوروبا. سيمكّن هذا الممر من تحقيق هذا الهدف، ولن يقتصر فقط على تسهيل الصادرات والواردات الأوروبية والهندية، بل سيسهل أيضا تجارة السعودية ودول الخليج والدول العربية، ويخفض تكلفة السلع الخليجية والعربية ويعزز تنافسيتها.
ونظرا إلى ما سيوفره الممر الاقتصادي الجديد من إسناد للتجارة العالمية، يُثار السؤال المحوري، هل سيعلن هذا الممر انتهاء نفوذ أوروبا في العالم وبداية النفوذ العربي فيصبح الشرق الأوسط هو أوروبا الجديدة في العصر الحديث كما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل خمس سنوات؟