يخطط الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لزيارة موسكو لاحقا هذا الشهر بغية مناقشة صفقة أسلحة مع موسكو تهدد بإثارة تصعيد كبير في النزاع الأوكراني، ووقف التقدم المطرد الذي تحرزه القوات الأوكرانية في هجومها المضاد لتحرير الأراضي الأوكرانية التي تحتلها القوات الروسية، وهو ما عزز الآمال في أن الصراع يمكن أن يشهد نهايته قريبا.
وإذا حقق الأوكرانيون هدفهم العسكري بإغلاق الممر البري الذي يربط روسيا مع شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا، وهو أحد أهداف كييف الرئيسة في النزاع، فإن كثيرا من المراقبين يعتقدون أنه سيكون من الممكن إحياء محادثات السلام الرامية إلى حل هذا النزاع.
يريد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حين تعود أوكرانيا إلى مفاوضات السلام، أن يكون في وضع يسمح له بإملاء شروطه، وسيعزز تحقيق نجاح عسكري في ساحة المعركة موقفه بلا شك.
ويتلخص الموقف الرسمي للزعيم الأوكراني في أن محادثات السلام لن تكون ممكنة إلا بعد أن تسحب روسيا جميع قواتها من الأراضي الأوكرانية التي احتلتها. غير أن هذا قد يتغير إذا حققت القوات الأوكرانية مكاسب ملموسة في ساحة المعركة، فذلك يضع كييف في موقف تفاوضي قوي.
وفي ظل التقارير التي تشير إلى أن القوات الأوكرانية اخترقت بالفعل عددا من المواقع الدفاعية الروسية حول منطقة زابوروجيا ذات الأهمية الاستراتيجية، تتفاءل كييف بأن يتسارع هجومها في الأسابيع المقبلة. وكما علق قائد أوكراني بارز في نهاية الأسبوع: "كل شيء أمامنا الآن"، بعد أن نجح الأوكرانيون في اختراق الخط الأول من الدفاعات الروسية، والذي يُعدّ الأصعب. أما بعد أن تحقق ذلك، فيعتقد القادة الأوكرانيون أنهم سيواجهون مقاومة أقل من الروس بينما يواصلون تقدمهم.
يريد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حين تعود أوكرانيا إلى مفاوضات السلام، أن يكون في وضع يسمح له بإملاء شروطه، وسيعزز تحقيق نجاح عسكري في ساحة المعركة موقفه بلا شك
وقد أنعشت هذه التغييرات الدراماتيكية في ساحة المعركة الآمال في استئناف المفاوضات قريبا لإنهاء النزاع. وشاركت عدة دول، بما فيها الصين والمملكة العربية السعودية، في الجهود المبذولة لاستكشاف خيارات السلام المحتملة، ويقال في واشنطن إن إدارة بايدن حريصة على رؤية انتهاء الأعمال العدائية قبل سباق الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
لقد برزت مؤشرات تدل على أن كييف تستعد لجولة جديدة من محادثات السلام بعد أن قام زيلينسكي بتعيين وزير دفاع جديد يتمتع بخبرة سابقة في التفاوض مع الروس، هو رستم عمروف، الذي ترأس وكالة الخصخصة الرئيسة في أوكرانيا، وكان عضوا سابقا في فريق عمل تابع للحكومة الأوكرانية، وعمل على وضع استراتيجية لإنهاء احتلال شبه جزيرة القرم.
يحل عمروف محل وزير الدفاع الأوكراني السابق أوليكسي ريزنيكوف، الذي أدى دورا رئيسا في الضغط من أجل توريد الأسلحة الغربية، لكنه أصبح مؤخرا غارقا في تهم بالفساد.
ويُعدّ عمروف مفاوضا موهوبا، وقد كان عضوا في الفريق الأوكراني الذي فاوض الروس في شهر مارس/ أذار 2022، بعد شهر واحد من الغزو الروسي الواسع النطاق. كما شارك أيضا في المفاوضات حول صفقة حبوب البحر الأسود وفي تبادل الأسرى، بمن فيهم مقاتلو آزوف الأوكرانيون الذين أُسروا في معركة مدينة ماريوبول الجنوبية عام 2022. وكان عضوا في الوفد الأوكراني خلال زيارة زيلينسكي إلى المملكة العربية السعودية في شهر مايو/أيار الماضي، كما رافق السيدة الأولى أولينا زيلينسكا في زيارتها إلى الإمارات العربية المتحدة في مارس/آذار الماضي.
برزت مؤشرات تدل على أن كييف تستعد لجولة جديدة من محادثات السلام بعد أن قام زيلينسكي بتعيين وزير دفاع جديد يتمتع بخبرة سابقة في التفاوض مع الروس، هو رستم عمروف
وقد أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضا استعداده لمتابعة الخيارات الدبلوماسية بعد اجتماعه وجها لوجه مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان في سوتشي لإحياء اتفاق يسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.
وعلى الرغم من الإخفاق في التوصل إلى اتفاق، إلا أن استعداد بوتين لمناقشة هذا الخيار يشير إلى إمكانية إقناع الروس بالانخراط في مفاوضات لإنهاء النزاع في أوكرانيا. كما أن الرئيس الروسي، وفي حديثه عقب مقترحات السلام التي أجملتها قمة الزعماء الأفارقة في سان بطرسبرغ أواخر يوليو/تموز الماضي، علق قائلاً: "لم نرفضها... ولكي تبدأ هذه العملية، يجب أن تكون هناك موافقة من الجانبين".
مع ذلك، من المشكوك فيه أن يحافظ بوتين على اهتمامه بمتابعة الخيارات الدبلوماسية، إذا أدت المحادثات مع كوريا الشمالية المقرر عقدها لاحقا هذا الشهر، إلى زيادة كبيرة في إمدادات الأسلحة للكرملين.
وفي الأثناء، فإن المسؤولين الأمنيين الأميركيين، الذين كشفوا لصحيفة "نيويورك تايمز"، عن تفاصيل زيارة كيم المقررة لروسيا أخبروها أنه من المرجح أن يسافر كيم بالقطار المصفح. أما الموقع الدقيق للاجتماع المخطط له فغير واضح، إلا أن مدينة فلاديفوستوك الساحلية، على الساحل الشرقي لروسيا، فقد ذكرت كأحد المواقع المحتملة. ولم يصدر تعليق فوري على الاجتماع المذكور سواء من كوريا الشمالية أو روسيا.
ويأتي الحديث عن هذا الاجتماع المحتمل بعد أن قال البيت الأبيض إن لديه معلومات جديدة تفيد بأن مفاوضات الأسلحة بين البلدين "تتقدم بفاعلية". وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو حاول "إقناع بيونغ يانغ بأن تبيع ذخيرة مدفعية" لروسيا خلال زيارته الأخيرة لكوريا الشمالية.
وأضاف كيربي أن بوتين وكيم تبادلا بعد ذلك رسائل "يتعهدان فيها بزيادة تعاونهما الثنائي"، وحذرهما من أن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات، بما في ذلك فرض عقوبات، إذا زودت كوريا الشمالية روسيا بالأسلحة.
وتربط كوريا الشمالية وروسيا علاقات دفاعية راسخة وقديمة يعود تاريخها إلى الحقبة السوفياتية، ويعتمد برنامج بيونغ يانغ للصواريخ الباليستية بشكل وثيق على التكنولوجيا الروسية.
كما ترتبط كوريا الشمالية أيضا بعلاقات عسكرية وثيقة مع إيران، وقد عمل البلدان معا على نحو وثيق على تطوير برامجهما الصاروخية والنووية.
وقد برزت إيران بالفعل كواحدة من حلفاء روسيا الرئيسيين في الصراع الأوكراني؛ إذ زودت موسكو بطائرات مسيّرة انتحارية فتاكة تستخدم بانتظام لمهاجمة البنية التحتية الأوكرانية.
وبالإضافة إلى إمدادات الأسلحة التي تقدمها إيران، فإن توفير الأسلحة الكورية الشمالية من الممكن أن يعطي دفعة كبيرة للجهود الحربية التي تبذلها روسيا، وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى عرقلة الإمكانية الراهنة لاستئناف محادثات السلام.
وإذا ساعد توفير الأسلحة الكورية الشمالية في إقناع بوتين بأنه قادر على تحقيق أهدافه في أوكرانيا بقوة السلاح، فليس مرجحا أن يبدي الزعيم الروسي اهتماما كبيرا بإنهاء الصراع على طاولة المفاوضات.