عندما توقفت سيارة الرئيس إردوغان عند مدخل القصر الرئاسي في سوتشي، بدا الأمر شبه طبيعي؛ إذ كان الرئيس فلاديمير بوتين في استقباله وهو يبتسم. وكانت الترتيبات مألوفة؛ فقد كان إردوغان الشخصية الأحدث في سلسلة طويلة من الشخصيات الأجنبية البارزة التي جاءت لعقد لقاء قصير وجها لوجه مع الرئيس الروسي؛ ففي منتجعه الرئاسي الذي يقع على البحر الأسود، التقى الرئيس الروسي بشخصياتٍ من أمثال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي (آنذاك) نفتالي بينيت، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وذلك ضمن كثير من الزعماء الآخرين الذين مروا على هذا المنتجع.
ومع ذلك، كان ثمة أمر غريب للغاية في هذا اللقاء بين أحد أعضاء الناتو مع الرئيس الروسي؛ فقبل ساعات قليلة من ذلك اللقاء، كان جيش بوتين يشن هجوما على ميناء إسماعيل الأوكراني، وأصابت الطائرات المسيرة الروسية أهدافا تقع على بعد أمتار قليلة من رومانيا، وهي عضو آخر في حلف شمال الأطلسي، بل ربما أصابت أهدافا حتى في رومانيا ذاتها.
وعلى بعد مئات الكيلومترات من سوتشي، صعد الجنود الروس عنوة على متن ناقلة مملوكة لتركيا ومتجهة إلى أوكرانيا، وهو فعلٌ كان من الممكن أن يطلق عليه كثيرون عملا من أعمال القرصنة في البحر، لكن أنقرة ترددت كثيرا في وصفه بذلك.
وفي الجانب الروسي، فشلت فخامة الديكور في إخفاء التصدعات التي ظهرت داخل روسيا ذاتها، وهو الأمرُ الذي حول اللقاء بين إردوغان وبوتين إلى لقاءٍ بين طرفين على قدم المساواة في الأهمية؛ فروسيا التي زارها إردوغان هي دولة أنهكتها حربها التي أخفقت في الفوز بها، بل والتي يمكن أن تخسرها أيضا. وهي دولة يتدنى باستمرار عدد شركائها وحلفائها. وفوق هذا وذاك، قبل بضعة أسابيع فقط، اقتحم بريغوجين الذي كان وقتها يضجّ بالحياة، مدينة روستوف التي تقع جنوبي روسيا وأطلق تمرده سيئ السمعة، الأمر الذي ألقى بظلال من الشك حول ما إذا كانت القيادة الروسية ستظل موحدة. ولكن– بطبيعة الحال– عندما توقفت سيارة إردوغان أمام قصر بوتين، كان هذا الأمر قد "حُسم"، بوفاة بريغوجين في الوقت المناسب.
لكن أليست هذه هي الدبلوماسية؟ زعيمان يجلسان لمناقشة المسائل العالقة. أما فكرة أن "القضايا مع روسيا يمكن حلها، إذا ما وافق أحدهم على الجلوس مع الرئيس بوتين وحسب"، فقد راودت الزعماء الأوروبيين والأميركيين منذ فترة طويلة. وفي الواقع، لا يزال بعضهم يفكّر في ذلك. وهو ما قام به إردوغان، وقد جاهد الزعيمان في سوتشي لتصوير علاقتهما على أنها "خاصة" وشخصية، فكان إردوغان يصف في بعض الأحيان الرئيس الروسي بأنه "صديقه". وفي الحقيقة، كان إردوغان أحد القادة القلائل الذين تحدثوا مع بوتين في وقت التمرد الذي قام به بريغوجين. وكان في قيامه بهذا قد ردّ دَينا قديما؛ فعندما واجه إردوغان ذاته انقلابا عام 2016، كان الرئيس بوتين أحد القادة القلائل الذين اتصلوا به، وذهب به الأمر إلى حد أن عَرض عليه مساعدة القوات الروسية.