صندوق النقد: اقتصاد السعودية الأسرع نموا بين مجموعة العشرينhttps://www.majalla.com/node/299031/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%B5%D9%86%D8%AF%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%B9-%D9%86%D9%85%D9%88%D8%A7-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%86
قبل أن تتمخض مخرجات "رؤية السعودية 2030" عن إصلاحات اقتصادية على أرض الواقع، لطالما كان صندوق النقد الدولي يربط توقعاته للاقتصاد السعودي والمؤشرات الاقتصادية الكلية كافة بتقلبات أسعار النفط فقط، ويبني عليها تراجع معظم هذه المؤشرات أو تقدمها حيث كان النفط يسيطر على أكثر من 90 في المئة من صادرات المملكة، وكان من الطبيعي أن تشهد قيمة الصادرات تراجعا حادا مع أي تقلبات سلبية لأسعار النفط.
في صياغة تقرير خبراء الصندوق في ختام مشاورات المادة الرابعة للمملكة العربية السعودية لعام 2023، لم يكن أمام صندوق النقد الدولي سوى الإشادة بكل الأرقام التي تعكس تطور المالية والاقتصاد السعودي على أرض الواقع، الأمر الذي ظهّر إنجازات رؤية المملكة 2030 التي جعلت اقتصاد البلاد الأسرع نموا بين اقتصادات العالم.
في عام 2022، وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية التي واجهها العالم، أعلن الصندوق في تقريره السنوي (آفاق الاقتصاد العالمي للعام 2022)، توقعاته أن يسجل اقتصاد السعودية نسبة نمو تصل إلى 7,6 في المئة، كأعلى نسبة نمو بين كل اقتصادات العالم. تحقق هذا النمو على الرغم من تباطؤ النشاط الصناعي في الصين وتراجع مستويات الإنفاق في الولايات المتحدة الأميركية.
إلا أن تقديرات صندوق النقد بالنسبة الى المملكة جاءت مخالفة للنظرة القاتمة والضبابية نتيجة تشديد السياسات النقدية التي زادت الضغط على أسعار النفط نحو الانخفاض.
في صياغة تقرير المادة الرابعة لعام 2023، لم يكن أمام صندوق النقد الدولي سوى الإشادة بكل الأرقام التي تعكس تطور المالية والاقتصاد السعودي على الرغم من عدم الأخذ بتوصياته
وصدر تقرير صندوق النقد لسنة 2023 بنظرة أكثر إيجابية لاقتصاد السعودية ، وصنفها الأسرع نموا بين اقتصادات مجموعة العشرين، بنمو بلغ 8,7 في المئة مقارنة بالعام المنصرم وبزيادة نمو الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 4,8 في المئة عن العام السابق، مما يعني أن المساهمة النفطية في مختلف القطاعات الاقتصادية آخذة في الانحسار، تلازما مع أحد أهم أهداف رؤية المملكة 2030، حيث شكلت الإيرادات غير النفطية نحو 43 في المئة من إيرادات الموازنة السعودية الإجمالية للربع الثاني من 2023 البالغة 314,8 مليار ريال (نحو 84 مليار دولار)، في مقابل 32 في المئة من إيرادات الفترة نفسها من 2022، وهذا مؤشر الى نجاح رؤية المملكة 2030 التي تستهدف تنويع مصادر الدخل.
وعلى الرغم من ازدهار النشاط الاقتصادي بقي التضخم منخفضا، وهو "آخذ في التراجع حاليا، ففي عام 2022، سجل متوسط الرقم القياسي لأسعار المستهلك نموا نسبته 2,5 في المئة على أساس سنوي مقارن، وأمكن احتواؤه جزئيا بفضل الدعم المحلي وفرض حدود قصوى للأسعار وقوة الدولار الأميركي" كما أفاد تقرير الصندوق.
تمضي مسيرة التحول الاقتصادي السعودي بخطى ثابتة في ظل إصلاحات رؤية السعودية 2030، بغض النظر عن مستويات أسعار النفط، بحسب ما جاء في التقرير، ومن الواضح أن زخم الإصلاحات لم يتأثر بتراجع أسعار النفط في عام 2023 مقارنة بعام 2022، حين وصل سعر خام برنت إلى نحو 100 دولار بينما لم يصل بعد إلى 80 دولارا حتى شهر سبتمبر/أيلول 2023.
رئيس البعثة السعودية، ورئيس قسم دول مجلس التعاون الخليجي في صندوق النقد الدولي لـ "الشرق": الصندوق توقع أن تحافظ القطاعات الاقتصادية غير النفطية في #السعودية على معدل نمو قوي يصل إلى 4.9% خلال 2023 بدعم من الاستهلاك المحلي
التفاصيل: https://t.co/VcqV93uW6h#اقتصاد_الشرقpic.twitter.com/ObopeRj2Na
وعلى الرغم من هذا الانخفاض الذي أدى إلى تراجع إيرادات الدول المصدرة للنفط في المنطقة، كشف تقرير الصندوق، أن السعودية هي الأكثر دعماً لأسعار الوقود محليا بين اقتصادات مجموعة العشرين، في سعي حثيث من قيادة المملكة لتخفيف العبء عن المواطن والمقيم على وقع ما يواجهه العالم من تحديات اقتصادية وارتفاع في التضخم.
وقد ظهر ذلك جليا في الحفاظ على ربط سعر الصرف بالدولار الأميركي لدعم الاستقرار النقدي. كما أن انخفاض مستويات أسعار النفط في 2023 لم يكن له تأثير على الاستثمارات غير النفطية، التي ارتفعت بنسبة 45 في المئة مدفوعةً بتسارع وتيرة تنفيذ مشاريع عملاقة.
تمضي مسيرة التحول الاقتصادي السعودي بخطى ثابتة في ظل إصلاحات رؤية 2030، بغض النظر عن مستويات أسعار النفط، بحسب ما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي. ومن الواضح أن زخم الإصلاحات لم يتأثر بانخفاض أسعار النفط
جاءت الإشادة بإصلاحات الاقتصاد السعودي على الرغم من عدم الأخذ بتوصيات الصندوق، بالاستمرار في رفع أسعار البنزين وخفض الدعم الحكومي، إذ يرى أن المجال متاح لرفع الحد الأقصى لأسعار البنزين نظرا الى ارتفاع أسعار المادة عالميا، تزامنا مع الارتفاع الكبير لأسعار المشتقات النفطية.
توصيات ليست في محلها
إلا أن الحكومة السعودية، ومنذ اطلاق رؤية المملكة 2030، تبنت برنامجا طموحا لإصلاح أسعار الطاقة يهدف إلى تحقيق 4 محاور أساسية، هي تحسين الوضعية المالية للمملكة، والافادة من المبالغ المتوفرة في تنمية الاقتصاد المحلي، وخفض نسبة النمو المتسارع للاستهلاك، وتحسين إنتاجية الطاقة والحفاظ على الثروات العامة لأطول أمد ممكن.
بالتالي، لم تأخذ السعودية بتوصيات صندوق النقد، حيث حرصت على تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين والمقيمين وتخفيف الضغوط التضخمية من خلال الموازنة بين المصلحة العامة للدولة ومصلحة المستهلك المحلي، حيث وضعت المملكة سقفا ثابتا لأسعار البنزين المحلي اعتباراً من شهر يوليو/تموز 2021:
- بنزين 91 أوكتان = 2,18 ريال/ ليتر (0,58 دولار/ ليتر).
- بنزين 95 أوكتان = 2,33 ريال/ ليتر (0,62 دولار/ ليتر).
في وقت ارتفعت أسعار البنزين في بعض أنحاء الولايات المتحدة إلى 7,5 دولارات للغالون، وهو ما يعادل نحو 7,5 ريال سعودي لليتر (الغالون الواحد يساوي 3,78 ليتر).
بذلك، اتخذت السعودية قرارا اقتصاديا حصيفا يساهم في دعم القوة الشرائية للمستهلكين المحليين، وتخفيف تكاليف النقل والضغوط التضخمية، على الرغم من أن المملكة من بين أكبر عشرة مستهلكين للبنزين في العالم، حيث تستهلك نحو 500 ألف برميل يوميا.
تجدر الإشارة إلى أن الحد الأقصى لأسعار البنزين محليا في السعودية لم يكن ناتجا من أي صراع في الطلب المحلي، قد يدفع السعودية إلى زيادة تصدير المزيد من البنزين، كما اقترحت بعض التقارير حينها. بل على العكس من ذلك، تعد السعودية أحد أكبر أسواق البنزين بالفعل، وجاء هذا التحرك للتخفيف من تأثير ارتفاع أسعار الوقود دوليا وسط التعافي السريع للطلب بعد الجائحة. وعلى الرغم من تأثر اقتصاد المملكة بتداعيات الجائحة على أسعار النفط، إلا أن قرار وضع سقف لأسعار البنزين محليا يعكس تعاملها بمسؤولية كاملة في كل ما يتعلق بالمستهلك المحلي من طريق تخفيف الأعباء الاقتصادية والمالية جراء تصاعد أسعار الطاقة العالمية.
مكتب لصندوق النقد في الرياض
في شهر فبراير/شباط الماضي، وافق مجلس الوزراء السعودي على مذكرة تفاهم بين حكومة السعودية والصندوق في شأن إنشاء مكتب إقليمي للصندوق في المملكة ودعم الصندوق في مجال تنمية القدرات، وهذا يعني فتح مكتب لصندوق النقد الدولي في الرياض، على الرغم من أن المملكة ليست دولة مقترضة، لكنها تقود جهود الإصلاح في المنطقة والعالم، من ضمن الدول الكبرى الداعمة لموارد الصندوق، ولدورها الفاعل في دعم الصندوق لدول المنطقة والدول الصديقة.
لا بد من الإشارة إلى أن المملكة هي إحدى الدول السبع التي تتمتع بمقعد مستقل في المجلس التنفيذي للصندوق، وهي أيضا من بين أكبر عشرين دولة داعمة للصندوق ولموارده. بالتالي، فإن للمملكة دورا فاعلا جدا في المجلس التنفيذي لتعزيز مساهمة الصندوق في دعم دول المنطقة والدول الصديقة ذات الاحتياجات الماسة.
ومع عدم الأخذ بتوصيات الصندوق في ما يتعلق برفع الضريبة وأسعار البنزين في المملكة، تبقى تقارير صندوق النقد الدولي عن مالية اقتصاد السعودية للاستئناس فقط، وما التقرير الأخير الذي يشيد بالاقتصاد السعودي إلا تأكيد على ذلك.
الصندوق والأجندات السياسية؟
لا تخفى على أحد الانتقادات العديدة التي طاولت صندوق النقد الدولي في كونه لم ينجح قط في انتشال أي دولة من أزمتها المالية الصعبة، بل غالبا ما جعل الوضع اكثر صعوبة عبر تطبيق سياسات ونماذج نمطية لا تناسب الاقتصادات والمجتمعات المتباينة، والاقتراض الذي غالبا لا يكون لتمويل عجز موازنة إنما لإنشاء بنية أساسية ومشروعات منتجة.
يفترض بصندوق النقد الدولي، كمؤسسة مالية دولية، أن يكون بعيدا كل البعد عن الأجندات السياسية، وأن يعمل على رعاية التعاون النقدي الدولي، والحفاظ على الاستقرار المالي، وتسهيل التجارة الدولية، والحثّ على رفع معدلات التوظيف والنمو الاقتصادي المستدام، وتقليص الفقر في مختلف أنحاء العالم.