ترفض محافظة كركوك مغادرة مشهد التوتر والصدام الذي يستخدم فيه السلاح أو يلوح باستخدامه، ويبدو أن الوصف الأدق لهذه المحافظة، أنها "منطقة متنازع عليها". وهذا الوصف يكشف عورة الدستور العراقي الذي اقر في 2005 الذي يفترض أن يكون الوثيقة السياسية التي تعلو على الصراع الهوياتي الذي يتناقض مع مبدأ هوية الدولة، لكنه على العكس من ذلك يشرعن الصراع على هوية مناطق توجد فيها هويات وقوميات وأديان ومذاهب!
كركوك "قدس الأكراد" كما وصفها الرئيس الراحل جلال طالباني، و"قلب كردستان" على حد وصف الزعيم الكردي مسعود بارزاني. وهي عند التركمان رمز هويتهم، وتمثل حدودها نقطة التقاء المناطق العربية مع المناطق الكردية. ولذلك فإن النزاع على هويتها يُعد أمرا طبيعيا في دولة عجزت عن احتواء الهويات الفرعية وتناقضاتها في مجتمع سياسي يقوم على أساس المواطنة والهوية والوطنية.
لكن السؤال الذي يُثار الآن، لماذا هذا التوقيت لإثارة التوتر في كركوك؟ لا سيما مع اقتراب الموعد المحدد لانتخابات مجالس المحافظات المقررة يناير/كانون الثاني المقبل! هنالك ثلاث فرضيات تطرح بشأن توقيت التوتر في كركوك:
الفرضية الأولى: تربط بين الاتفاق الإيراني مع حكومة إقليم كردستان بشأن نزع سلاح المعارضة الإيرانية وإخلاء المقرات العسكرية التي تستخدمها هذه المعارضة الموجودة في مناطق الإقليم. وهنا يتداول حديث عن عقد صفقة بين الطرفين، ومن بينها إعادة بسط نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني على كركوك، بعد إجلائها من المحافظة في 2017 مع تدخل القوات الاتحادية في حكومة حيدر العبادي.
الفرضية الثانية: ترى في أحداث كركوك محاولة لتأجيل انتخابات مجلس المحافظة بعد ثلاثة أشهر؛ فكركوك على عكس باقي المحافظات لم تُجرَ فيها انتخابات محلية منذ 2005. ويبدو أن هناك تخادما مصلحيا بين أقطاب الصراع السياسي في كركوك يجتمع بشأن تأجيل الانتخابات في المحافظة، وربما يكون بوابة لتأجيلها في جميع محافظات الوسط والجنوب.