كثرت التكهنات والتخمينات واختلفت التوقعات، حول ردّ فعل الجزائر في حال نفّذت "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" (إيكواس)، تهديدها بالتدخل العسكري في النيجر. فالمتابعون لتطور الأحداث في هذا البلد يتساءلون، اليوم، عن كيفية تعامل الجزائر مع الوضع في حال فُضّل الخيار العسكري على مسار الحل السياسي والتفاوضي، وعن التداعيات الأمنية والسياسية لتطور الأحداث على الأمن القومي للبلاد.
وعلى الرغم من أن المادة 95 من الدستور الجزائري تنص على أنه "بإمكان الرئيس الجزائري، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، أن يقرر إرسال وحدات من الجيش إلى الخارج بعد مصادقة البرلمان الجزائري بغالبية ثلثي أعضائه"، فإن عبد السلام بشاغا، النائب عن "حركة مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية والمعارضة في البلاد، يستبعد تأييد الجزائر استخدام القوة لحلّ الأزمة في النيجر، ويقول لـ"المجلة": "بحسب العقيدة الدبلوماسية الجزائرية وعقيدة الجيش الجزائري، فإن الخيار العسكري خارج الحدود الجزائرية يبقى مستبعدا في كلّ الحالات مهما تأزمت الأوضاع".
وبالرغم من أن الجزائر معنية، مباشرة، بما يحدث في النيجر، التي تتشارك معها حدودا بطول 951 كيلومترا، (وهي مساحة شاسعة مزروعة بالألغام تشهد تسللا للأفارقة إلى جنوب البلاد ووسطها، وتنتشر فيها تجارة البشر وتهريب الأسلحة والمخدرات)، غير أنها تعتبر أمن النيجر من أمنها، بحسب بشاغا، الذي يؤكد أن الجزائر "تسعى بشتى الطرق إلى حل هذه الأزمة بالطرق السلمية بعيدا عن الخيارات العسكرية، التي أججت بؤر التوتر سابقا، وزادت الوضع تعقيدا واضطرابا".
وألقت الجزائر بثقلها الدبلوماسي في القارة السمراء للبحث عن حل لأزمة النيجر، وبدأ وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، في 30 أغسطس/آب الماضي، جولة أفريقية قادته إلى ثلاثة بلدان من مجموعة "إيكواس"، التي تهدد بالتدخل عسكريا في النيجر، وهو السيناريو الذي ترفضه الجزائر رفضا قاطعا، لأنها ترى أنه سيزيد الوضع سوءا، وأنها ستكون المتضرر الأول والرئيس من تداعيات هذا التدخل.
وخلال الجولة، عرض الوزير الجزائري تصورا مبدئيا للحل، يتضمن ضرورة الرجوع إلى المسار الدستوري، وتجسيد حل سياسي سلمي يحول دون العمل العسكري، والحرص على الالتزام بمنع التغييرات غير الدستورية في الدول الأفريقية؛ ويشمل التصور ثلاثة محاور أساسية، وهي سلطات النيجر العسكرية، و"إيكواس" المتحمسة لخيار التدخل العسكري، ومحور آخر يتعلق بالقوى الدولية الداعمة للمساعي السلمية، وتحييد خيار التدخل العسكري.
وكانت الجزائر قد طرحت، في 29 أغسطس/آب الماضي، مبادرة سياسية جديدة لحل الأزمة، تقوم على "تحديد فترة زمنية مدتها ستة أشهر للعودة إلى المسار الدستوري، وعودة العمل السياسي"، على أن تكون هذه الفترة "تحت إشراف سلطة مدنية تتولاها شخصية توافقية، تحظى بقبول كل أطياف الطبقة السياسية في النيجر، وتفضي إلى استعادة النظام الدستوري في البلاد".