يضيف عبيد: "تشكل البيئة المحلية لدى أغلب الفنانين التشكيليين الخطوة الأولى لبناء خصوصية أكثر التحاما بالتراث الثقافي والحضاري المحلي. ومن يرى أعمالي سيلمس من الوهلة الأولى حضور المكان والبيئة المحليين وما يتصل بهما من جماليات أنطلق منها نحو رسم أمكنة وأزمنة ومرئيات قديمة متصلة بمنازل الطفولة، وأزقة متآكلة تظهر على جدرانها صيغ جمالية، ورموز وإشارات إنسانية وحضارية، تتجاوز الحدود والمسافات لتعايش بلغتها الجمالية أزمنة بعيدة كل البعد عن الواقع المرئي المعيش".
ما بين معرض وآخر أوجد عبيد مجموعته اللونية، التي اعتمد فيها على تجاربه الخاصة في مزج الألوان للحصول على الدرجات اللونية التي تقود المشاهد في بعض الأحيان إلى الإحساس بأن الفنان قد استحضر هذه الألوان التي تبدو ضبابية أحيانا من عالم الأحلام، وأوجد بالتالي بصمة تميّزه عن غيره من الفنانين. يقول: "كما أسلفت، فإن النهج الذي سلكته منذ أكثر من ثلاثة عقود، جعلني التفت إلى مساحات تعبيرية متوافقة في حجمها ومرئياتها مع الاختبارات والطموحات القادرة على تحفيز الذات الفنية وتحريك الساكن والانتقال منها نحو غايات وأهداف فيها الكثير من التعابير التي لا يمكن أن تتوقف عند نقطة ما، خاصة إذا ما اقترن الأمر بصيغة بحثية تهتم بلغة الرموز والإشارات الإنسانية والأشكال والخطوط الحضارية المتراكم بعضها فوق بعض والتي أراها المكوّن الأساسي في إطار خطابي الفني والجمالي".
في عالم الإبداع الفني لعبيد تجربة وطقوس خاصة لتجسيد ما يتخيله واقعا على مساحة اللوحة. يبيّن: "ليس هنالك توقيت محدّد لديّ للرسم، فالأمر يعتمد على الحالة النفسية، فمتى ما توفرت آليات الفعل الفني تتحرّك من خلالها الدوافع لإيجاد مساحة للبوح عن الاحتمالات الداخلية التي أشبه ما تكون في صورها بهوائيات روحية وتأملية تأخذنا إلى مناطق ذات صلة بروح الفنان الساعي إلى ترجمة تلك الاحتمالات والخروج منها بمرئيات تضيف إلى مدونته الشخصية أشكالا وإشارات مستلّة من الواقع ومخيلة الفنان الساعي إلى تبيان بلاغة صورية لا ترتجي إلا التواصل والولوج في حوارات فنية لا تنتهي مع انتهاء الطرح".
رؤية خاصة
يمتلك حسين عبيد رؤية خاصة تدفعه إلى اتخاذ القرار بأن اللوحة اكتملت ولا تحتاج إلى أي لمسة إضافية: "حينما يبدأ الفنان في إنجاز عمل ما، تسبق ذلك رؤية معينة غالبا ما تكون متصلة بتجربته وانتقالاته المرحلية، والفنان المتمكن من أدواته يشعر أحيانا باكتمال اللوحة فيتوقف عند لحظة ما ويعتمدها، لكنه يشعر أحيانا أن اللوحة ما زالت بحاجة إلى التعديل أو الإضافة حتى تكتمل بنائياتها على الوجه الذي يتوافق مع ثقافة الفنان ورؤيته الفنية، وهذه الظاهرة لطالما كانت موجودة عند العديد من الفنانين التشكيليين، وشخصيا يندر أن أعود إلى إجراء تعديلات جذرية في أصل اللوحة، لقناعتي بأنها مرتبطة بلحظة زمنية لا تتكرّر انفعالاتها وتعابيرها".
عبيد الذي توزّعت معارضه الشخصية ما بين لبنان والأردن وبلده الأصلي، أقام معرضا عنوانه "ذاكرة الصحراء والبحر" في قصر اليونسكو في بيروت، لينتقل من بعده إلى "مملكة الحلم" وهو عنوان معرضه الذي أقامه عام 2002 في مسقط، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية وحضر ملتقيات فنية حول العالم، كان أبرزها في باريس وروما والقاهرة. عن هذه المشاركات يقول: "تعدّ المعارض الفنية واجهة حضارية، ونافذة واسعة للمعرفة والاطلاع على التجارب الفنية المتميزة، وخلق حوارات بصرية متبادلة بين الفنان والمتلقي، وهي في مجملها تنعكس إيجابا على رؤية الفنان وثقافته المتجدّدة. كما أنها تساهم في إظهار التجارب البصرية، وتعبر بشكل وآخر عن مستوى الوعي الثقافي والفني الذي يمتلكه الفنان، ناهيك بأنها تعمل على بثّ روح المنافسة والتطوّر ورفع مستوى الذوق الفني والجمالي، ونشر الثقافة الفنية في المجتمع".