في حديث سابق مع طلاب معهد السينما، أكد شيمي أن الشغف هو الهدف الأكبر الذي ظل محافظا عليه طوال حياته، فحين كان يشعر بحالة من التكرار أو التشابه في مرحلة ما من عمله، يلجأ إلى عالم آخر بديل يقوم من خلاله بالتصوير وفق حالة الشغف التي اعتادها، وكان من نتائج ذلك على سبيل المثل تجربة التصوير تحت الماء للمرة الأولى من خلال فيلم "جحيم تحت الماء" (1989) إخراج نادر جلال وهي تجربة جريئة في الإنتاج تضاف إلى رصيد الفنان الراحل سمير صبري.
في أحد فصول الجزء الثاني يحكي شيمي عن حادثة عارضة مر بها بصحبة أخته وأمه أثناء ذهابهم لأداء الحج، عندما اشتعلت النيران بأحد المحركات الجانبية أثناء هبوط الطائرة، واصفا شعوره بالمشهد الحقيقي من وجهة نظر المصوّر، حتى أنه عنون الفصل "كما يحدث في الأفلام".
لا تقف حكايات شيمي عند كواليس الأفلام، فهو يتخذ من هذه الحكايات مدخلا لشهادته حول سلسلة من التحولات التي شهدها المجتمع المصري بداية من الانتقال من الحكم العثماني، مرورا بتحقيق حكم مصري وطني على أيدي الضباط الأحرار في 1952، ثم معايشة الحلم القومي وانهياره لاحقا بهزيمة 67، وصولا إلى التغير الجذري عقب انتصار أكتوبر 73 وما تبعه من انفتاح. لا يفوّت شيمي أي فرصة للتعليق وللإشادة في بعض الأحيان، بملامح أو أهداف أو حتى سلوك الناس العاديين في فترات مختلفة من التاريخ المصري، عبر مواقف إما عاشها بالفعل أو سمع وقرأ عنها في نطاق الأسرة والمحيطين به أو من خلال الكتب التاريخية.
يوسف وهبي وسعاد حسني وعماد حمدي
تحفل حكايات شيمي بالأسماء، بيد أن مجموعة من هؤلاء لهم النصيب الأكبر، وفي مقدمتهم المخرجان محمد خان وعلي عبد الخالق، ويليهما عاطف الطيب ونادر جلال وأشرف فهمي، وإن بقي لحضور خان مكانة مختلفة. كما تتضمن الحكايات أسماء لعلامات في السينما التسجيلية مثل أحمد راشد وفؤاد التهامي وسعد نديم. يقول شيمي عن تجربته مع الفيلم التسجيلي: "تعوّدت في تصوير الأفلام التسجيلية أن أقابل الصعاب وأقاومها". قدم شيمي ما يقارب سبعين فيلما تسجيليا، وتحضر في الثلاثية أسماء مخرجين ربما يسمع عنهم القارئ للمرة الأولى.
البطل الرئيسي في حكايات شيمي هو الإنسان، بكل اختلافاته وتنوعه الثقافي والمجتمعي. فأثناء تجولك بين الحكايات قد تشاهد عميد المسرح العربي يوسف وهبي أثناء ظهوره كضيف شرف –في دور كبير الأطباء- بأحد الأفلام الأولى لشيمي من إنتاج التلفزيون المصري "أغنية للحب والموت": "أمسك يوسف وهبي صورة الأشعة، ووقف ينظر إليّ وإلى الكاميرا القريبة منه ومن صورة الأشعة التي ستبدأ بها اللقطة، وقال لي: إنت بتعمل أيه هنا؟".
كما ستتعرّف عن كثب إلى ما يسميه شيمي "دوار العمدة": "لم أعرف الفنانة العظيمة سعاد حسني عن قرب إلا في منزل صديقي سامي السلاموني، فشقة سامي كانت دوار العمدة التي يتجمع فيها الأصدقاء والفنانون من دون ميعاد". لشيمي كتاب ممتع عن السلاموني بعنوان "صديقي سامي السلاموني" (1921). وقد تتفاجأ حين تعلم أن عماد حمدي كان المرشح لدور الأب في فيلم "العار" لعلي عبد الخالق بدلا من عبد البديع العربي وقد صوّر بالفعل عددا من المشاهد على مدار ثلاثة أيام.
محمد خان وأحمد زكي
لم يكن التصوير السينمائي بوّابة شيمي الوحيدة إلى عالم الفن السابع وأهله من النجوم، فقد بدأ ذلك منذ الصغر: "كنت محظوظا حين عملت في محلات أخوالي في الستينات بوسط البلد؛ فقد شاهدت عن قرب بعضا من ممثلينا المشهورين وقتها وهم يشترون الحلوى: اسماعيل يس. شكوكو. تحية كاريوكا وزكي رستم الذي لم أجرؤ أبدا على الكلام معه".
ولد سعيد شيمي في حي عابدين في 23 مارس/آذار 1943 لأب طبيب، ومن طريق عيادة الأب تعرف شيمي إلى صديق عمره المخرج محمد خان الذي يكبره بعام واحد: بدأت صداقتنا أنا وميمي بصداقة عائلتينا، فقد كانت عيادة والدي الدكتور أحمد سعيد شيمي في ميدان العتبة، وفي العقار نفسه كان مكتب والد ميمي عمي حسن خان، وكان تاجرا للشاي يستورده من الهند وسيلان ويوزعه في مصر".
يعتبر الفنان الراحل أحمد زكي من أبرز الوجوه التي عرفتها عدسة شيمي، حيث صوّر له عشرة أفلام بدأت بـ"طائر على الطريق" (1981) لمحمد خان، وكان من أولى البطولات المطلقة لزكي- وانتهت بفيلم "حسن اللول" (1997) لنادر جلال، وبين تلك الأفلام بعض أكثر الأدوار تميزا لـ"فتى الشاشة الأسمر" مثل "البريء"، "الحب فوق هضبة الهرم"، "ضد الحكومة"، وكلها بتوقيع الراحل عاطف الطيب.
يروي شيمي أنه التقى أحمد زكي للمرة الأولى في مقهى بميدان التحرير، حين كان يجلس الأخير بصحبة الناقد سامي السلاموني "يأكلان ساندوتشات الفول والطعمية ويشربان الشاي"، وكان الانطباع الأول لشيمي عن هذا الفتى النحيل أنه "انسان عادي، لا ظريف ولا متحدث لبق". ولكن بمرور الأيام عرف شيمي أنه يتعامل مع "فنان فوق العادة" كما وصفه، لا سيما في ما يخص الانفصام التام عن الواقع لأجل الشخصية، وهو ما كاد أن يُنهي حياة شيمي نفسها أثناء تصوير مشاهد الحركة وعلى رأسها مشاهد المطاردة بالسيارة في "طائر على الطريق".