يتصدر الشغور الرئاسي ظاهريا سائر الملفات اللبنانية العالقة ويحاول البعض تسويقة وكأنه المدخل الأساس لمسار الحل الشامل للأزمات اللبنانية. إلا أن الحقيقة الدامغة في الاعتراف بأن الشغور الرئاسي ليس سوى أحد نتاجات الأزمات المستمرة التي عرفها لبنان منذ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الأولى بعد توقيع اتفاق الطائف (وثيقة الوفاق الوطني) عام 1989 الذي تحول إلى دستور للبلاد.
الملفات إياها تتمحور حول عدم القدرة على إنتاج سلطة وطنية حقيقية، وعدم القدرة على بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها وتطبيق الدستور بكافة مندرجاته، وهي ملفات تعايش معها رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات، وتعايشت معها المؤسسات الدستورية والأمنية التي فقدت أدوارها تباعا قبل أن يبلغ التعثر والشلل مفاصلها كافة.
أجل لقد تماهى في لبنان المشهدان السياسي والأمني بالمشهد الإقليمي المتفجر، وأُخضع ما تبقى من هياكل المؤسسات الدستورية للإملاءات الخارجية، بما جعلها عاجزة عن إيجاد الحلول للأزمات الوطنية، وبما أفقد الحياة السياسية وزنها واتزانها.
لقد انشغلت الأوساط السياسية اللبنانية خلال الأسبوع المنصرم بجملة من العواجل الدولية والإقليمية المتصلة بالمشهد اللبناني على المستويين الأمني والسياسي، وعكست التقاطعات الواضحة فيما بينها حجم التلازم بين الملفات اللبنانية والاضطراب الإقليمي/ الدولي على أكثر من صعيد.
ضمن هذا السياق يمكن قراءة التلازم بين التمديد لمهمة قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) المنتشرة في جنوب لبنان بموجب قرار مجلس الأمن 1701 ورسائل التهديد لهذه القوات من قبل "حزب الله"، وكيف أصبحت مسألة حصر السلاح في السلطة الشرعية اللبنانية بمنطقة جنوب الليطاني رهنا بالتوافقات الإقليمية حول مستقبل الميليشيات الإيرانية المنتشرة من اليمن جنوب البحر الأحمر إلى جنوب لبنان على البحر المتوسط، وربما باتت رهنا بتعثر المفاوضات حول الملف النووي.