أي لعنة تطارد المصالح الفرنسية في أفريقيا؟ تلك القارة التي ظل الاقتصاد الفرنسي يعتمد عليها في الحصول على المواد الأولية والثروات الطبيعية السطحية والباطنية المختلفة، لضمان تنافسيته مع الكبار الذين عززوا حضورهم الأفريقي، باسم نظام عالمي جديد قائم على صراع المصالح والثروات.
غداة كل انقلاب جديد في أفريقيا، يُطرح السؤال حول من يقف وراءه، وما حجم نقمة الحكام الجدد حيال المستعمر القديم، الذي يخسر تباعا محمياته أو مستعمراته التقليدية، ومصالحه الاقتصادية والجيوسياسية، وامتيازاته اللا المتناهية. فخلال ثلاث سنوات، شهدت أفريقيا جنوب الصحراء ثمانية إنقلابات قادها ضباط تخرج بعضهم في المدارس العسكرية الفرنسية. ويبدو أنهم عازمون على قطع شعرة معاوية مع باريس التي يتهمونها بإفساد الحكام ونهب الثورات وتفقير الشعوب. وعلى الرغم من الإدانة الدولية لاستيلاء العسكر على السلطة بالقوة وتعليق عضوية هذه الدول في منظمة الاتحاد الأفريقي، إلا أن الشارع الغاضب على حكامه الفاسدين يجهر بمعاداة الاستعمار القديم وإسقاط الأبوية الفرنسية (Paternalisme).
تتزعم النيجر "الغضب الأفريقي"، لتنضم إليها بوركينا فاسو ومالي وغينيا، ولا تعارضه شعوب أخرى داخل دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس" (ECOWAS). ما لا يُقال جهرا يُهمس به سرا، أن "الشعوب تريد تغيير العلاقات مع فرنسا وتفضل أن يتم ذلك بالطرق السلمية".
وتعتبر منطقة غرب أفريقيا أقدم المستعمرات الفرنسية في القارة وأكثرها خيرات وثروات. تمتد من شمال السنغال إلى جنوب ساحل غينيا وتوفر لفرنسا ما تحتاجه من طاقة ومعادن ومنتجات زراعية وغيرها.
ويتوقع أن تشكل سوقا استهلاكية تقدر بـ 800 مليون نسمة عام 2050 وفق تقديرات "إيكواس". ويمتد النفوذ الفرنسي جنوبا وسط القارة إلى البحيرات الكبرى والغابات الاستوائية، من تشاد إلى جمهورية الكونغو الديموقراطية على مساحة تتجاوز 3 ملايين كيلومتر مربع. وهي دول ذات دخل منخفض على الرغم من ثرواتها الطبيعية والمعدنية الهائلة.
قلق الرئيس
عبّر الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، عن قلقه من توالي الانقلابات الأفريقية على طريقة الدومينو، واتساع رقعة الزيت، معتبرا أن الأسباب نفسها والحماسة نفسها موجودة في دول أخرى، وأن الوضعية غير مستقرة في معظم دول القارة؛ "أنا متخوف جدا من وباء الانقلابات" (Epidémies de Putschs)، قالها أمام حشد من السفراء المعتمدين في القارات الخمس. وهم بدورهم متخوفون من أن يتم طردهم وإهانتهم كما حصل في نيامي، عاصمة النيجر، بعد نزع الحصانة الديبلوماسية عن السفير الفرنسي، سيلفان إيت، وعمد الانقلابيون إلى ترحيله. لكن الرئيس حسم الأمر موضحا أن بلاده لن تتخلى عن القارة السمراء: "إذا أبدينا الضعف... فسنكون خارج اللعبة"، في إشارة مبطنة إلى أن قوى اقتصادية جديدة تتوسع في أفريقيا، قد تزاحم الشركات الفرنسية التي تعتمد في علاقاتها الاقتصادية على صنّاع القرار المحليين.