وتعمل هذه السياسات على مفاقمة تدهور الظروف المعيشية لفئات كبيرة من السكان، وتوسيع نطاق التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية والمناطقية، وتعيد إحياء المعضلات التي كانت قائمة قبل اندلاع الحرب عام 2011، عدا عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي تخلفها على السكان.
كذلك، يؤثر ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في مستويات الإنتاج كلها، بما في ذلك أجور العمالة، ورسوم النقل، وتكاليف المولدات والحياة اليومية للسكان في شكل عام. وللتعويض عن ذلك، منحت الحكومة مكافآت أو زيادات في رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين وأجورهم، غير أن هذه القرارات تعوض جزئياً فقط عن الانخفاض الكبير في القوة الشرائية للسكان، في حين أن الأفراد العاملين لحسابهم الخاص لا يستفيدون من أي تدابير مماثلة.
وبلغت تكلفة سلة الإنفاق الأدنى، وهي مقياس لحساب تكلفة المعيشة استناداً إلى مقاييس برنامج الغذاء العالمي، لأسرة مكونة من خمسة أفراد، نحو مليوناً و441 ألف ليرة سورية في يوليو/تموز 2023، أي بزيادة 90 في المئة عن العام السابق. بالمقارنة، فإن الحد الأدنى للأجور، الذي تضاعف في أغسطس/آب بموجب القرار الحكومي، لا يتجاوز 186 ألف ليرة سورية، وهذا يمثل 13 في المئة فقط من تكلفة سلة الإنفاق الأدنى في يوليو/تموز 2023، وكان متوسط أجر الموظف الحكومي يساوي عام 2011 ما بين 200 إلى 320 دولاراً، حين كان سعر صرف الدولار 47 ليرة سورية.
وعانى الاقتصاد السوري بشكل كبير خلال العقد الماضي، كما تضررت كل العوامل التي سمحت بالاستقرار النسبي لليرة السورية. ومنذ عام 2011، انخفضت الإيرادات المحلية على نحو ملحوظ، من جراء تراجع قطاعَي النفط والسياحة بالدرجة الأولى، اللذين شكلا مصدرين رئيسين للعملة الأجنبية قبل اندلاع الانتفاضة، نظرا لما لحق بهما من دمار هائل و/أو خروجهما عن سيطرة الحكومة.
ويتمثل السبب الثاني لانخفاض الإيرادات في توقف الاستثمار الأجنبي المباشر كليا تقريباً بعد عام 2011، وكان قد بلغ أكثر من ثمانية مليارات دولار بين عامي 2005 و2011، مما أمعن في انخفاض قيمة العملة السورية. وأخيراً، أدى الدمار الهائل الذي لحق بقطاعي التصنيع والزراعة إلى انهيار القدرة الإنتاجية المحلية وانخفاض حجم الصادرات، لتفقد البلاد بذلك مصدرا مهما للدخل وتلجأ إلى زيادة وارداتها لمواكبة الطلب المحلي. وبالتالي، بقي الميزان التجاري سلبياً وترجم ذلك بضغوط عالية ومستمرة لشراء العملات الأجنبية، لا سيما في السوق السوداء، ليضغط تاليا على قيمة الليرة السورية، ومعدلات التضخم المستمرة بالارتفاع.
تدابير تقشفية وغلاء المعيشة
في مواجهة هذا الوضع، اعتمدت الحكومة تدابير تقشف وعمدت إلى خفض الدعم على منتجات أساسية (كالخبز والمشتقات النفطية). وانخفضت قيمة الدعم الإجمالية في الموازنة السورية بالأسعار الحقيقية من 5,3 مليارات دولار عام 2011 إلى 1,6 مليار دولار عام 2023. وتتمثل الأهداف الرئيسة للحكومة في تقليص فاتورة الدعم المالية والنقدية، بتحقيق الاستقرار في سعر صرف الليرة السورية، وزيادة إيرادات الدولة، وخفض الإنفاق الحكومي (لا سيما على الدعم)، ومراكمة العملات الأجنبية.
تجدر الإشارة إلى أن الاستعدادات والتدابير الرامية إلى خفض الدعم كانت قد بدأت قبل عام 2011، ولا سيما في ما يتعلق بالمشتقات النفطية. ومثّل خفض الدعم، إلى جانب وقف التوظيف في القطاع العام والحد من دور الدولة في الاستثمار المحلي، جزءاً من سياستي التحرير والتخصيص الاقتصاديتين اللتين باشرتهما الحكومة السورية منذ بداية عام 2000 بمساعدة صندوق النقد والبنك الدوليين.
ترافق ذلك مع إطلاق الحكومة السورية تسمية "الاستراتيجيا الاقتصادية الجديدة" على "الشراكة الوطنية" عام 2016 استبدالا لتسمية "اقتصاد السوق الاجتماعي" السابقة التي أبصرت النور عام 2005. وتسعى الاستراتيجيا الاقتصادية الجديدة إلى تعزيز تحرير الاقتصاد ومراكمة رأس المال الخاص، ومن جوانبها الرئيسة قانون "الشراكات بين القطاعين العام والخاص" الذي سُنَّ في يناير/كانون الثاني 2016، ويخول القطاع الخاص إدارة أصول الدولة وتطويرها في مختلف القطاعات الاقتصادية كجهة مساهمة / مالكة تتمتع بالأغلبية، باستثناء قطاع استخراج النفط. ويهدف قانون "الشراكات بين القطاعين العام والخاص" الجديد إلى إعطاء الأفضلية للرأسماليين المحسوبين على النظام وتمكين سيطرتهم على الاقتصاد والأصول العامة على حساب الدولة والمصالح الوطنية، مع إفادة الحلفاء الأجانب أيضاً، ولا سيما روسيا وإيران.
الباعة في سوق الحميدية في دمشق ينتظرون المتسوقين... والفرج منذ سنين
وتعمل هذه السياسات على مفاقمة تدهور الظروف المعيشية لفئات كبيرة من السكان، وتوسيع نطاق التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية والمناطقية، وتعيد إحياء المعضلات التي كانت قائمة قبل اندلاع الحرب عام 2011، عدا عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي تخلفها على السكان.
كذلك، يؤثر ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في مستويات الإنتاج كلها، بما في ذلك أجور العمالة، ورسوم النقل، وتكاليف المولدات والحياة اليومية للسكان في شكل عام. وللتعويض عن ذلك، منحت الحكومة مكافآت أو زيادات في رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين وأجورهم، غير أن هذه القرارات تعوض جزئياً فقط عن الانخفاض الكبير في القوة الشرائية للسكان، في حين أن الأفراد العاملين لحسابهم الخاص لا يستفيدون من أي تدابير مماثلة. وبلغت تكلفة سلة الإنفاق الأدنى، وهي مقياس لحساب تكلفة المعيشة استناداً إلى مقاييس برنامج الغذاء العالمي، لأسرة مكونة من خمسة أفراد، نحو مليوناً و441 ألف ليرة سورية في يوليو/تموز 2023، أي بزيادة 90 في المئة عن العام السابق.
بالمقارنة، فإن الحد الأدنى للأجور، الذي تضاعف في أغسطس/آب الماضي بموجب القرار الحكومي، لا يتجاوز 186 ألف ليرة سورية، وهذا يمثل 13 في المئة فقط من تكلفة سلة الإنفاق الأدنى في يوليو/تموز 2023. بالمقارنة، كان متوسط أجر الموظف الحكومي يساوي عام 2011 ما بين 200 إلى 320 دولاراً، في حين كان سعر صرف الدولار 47 ليرة سورية.
إضافة إلى المساعدات الإنسانية الدولية، أصبحت التحويلات المالية التي يرسلها المغتربون السوريون إلى عائلاتهم والمقربين منهم داخل البلاد، شبكة أمان مهمة للمجتمعات المحلية. من دون هذه الأموال، لن تتمكن فئات كبيرة من السكان من تحمل النفقات اليومية، إلا من خلال الاقتراض و/ أو الشراء بالدين من التجار.