يقول الباحث في جامعة "سيتشوان" الصينية زودونغ تشاو، وهو المؤلف الرئيسي لدراسة في هذا الشأن، إن الشيخوخة الخلوية "حالة من توقف دورة الخلية التي لا رجعة فيها هي السمة المميزة للشيخوخة". في تلك الحالة، تتراكم الخلايا الشائخة في الأنسجة المختلفة مع تقدمنا في العمر، وتفرز الجزيئات التي تساعد على الإصابة بالالتهابات وتساهم في المرض المزمن وخلل الأنسجة. وقد تم ربط هذا التراكم بمجموعة واسعة من الأمراض المرتبطة بالعمر، بما في ذلك تصلب الشرايين، وهشاشة العظام، وحالات التنكس العصبي مثل مرض الزهايمر.
نجاح مع السرطان
لذا؛ قام تشاو وفريقه العلمي بمحاولة التأثير على تلك الخلايا الشائخة وإخضاعها لمجموعة من التغييرات البيوكيميائية في محاولة لتحقيق هدف من اثنين: إما القضاء عليها بشكل كامل؛ أو مساعدتها على التكاثر والانقسام وتجديد شبابها. وصمم الباحث الصيني دراسة لاستغلال العلاج المناعي، وهو نوع من العلاجات التي تساعد في القضاء على السرطان، في تحقيق ذلك الهدف.
ويقول لـ"المجلة": "إذا كان العلاج المناعي قادرا على منع انقسام الخلايا السرطانية وتدميرها، فيمكن تعديله إما لحث الخلايا الشائخة على الانقسام أو تدميرها من الأساس".
لفحص ذلك الافتراض، أعد الفريق العلمي زُمرة من فئران التجارب المسنّة، وحقنوها بنوع من العلاجات المناعية المعروفة باسم "مستضدات المستقبل الكيميري".
شهد ذلك النوع من العلاجات المناعية نجاحا ملحوظا في علاج بعض أنواع السرطان. فمن طريق إعادة توجيه الخلايا المناعية للمريض لاستهداف الخلايا السرطانية وتدميرها، أصبح ذلك العلاج إحدى أهم الطرق التي يستخدمها الأطباء للقضاء على الأورام التي لا تستجيب للعلاجات الكيميائية والإشعاعية والهرمونية التقليدية.
في البداية، يستخرج الباحثون الخلايا المناعية من المريض، ثم يُعيدون برمجة تلك الخلايا للتعرف الى الأورام السرطانية، ويحقنونها مرة أخرى في دم المصاب بالسرطان. مع مجرى الدم، تصل تلك الخلايا الى الأورام السرطانية، وتتعرف إليها، وتلتصق بسطحها، وتدمرها بشكل كامل.
استهداف الخلايا الشائخة
في الدراسة الجديدة التي أجراها الباحثون الصينيون ونشروا نتائجها في دورية "ساينس ترانسيشنال ميديسن" أخد الباحثون هذا المفهوم خطوة إلى الأمام من خلال هندسة الخلايا المناعية لحثها على استهداف الخلايا الشائخة عبر مستقبل يسمى"NKG2D"، وهو مستقبل يتم إفرازه في الخلايا المناعية التي تتعرف الى الروابط والمواد الكيميائية الناتجة من التقدم في العمر على سطح الخلايا الشائخة.
فمن المعروف أن الخلايا الشائخة التي تتوقف عن الانقسام بسبب الإجهاد أو التلف، تفرز مستويات عالية من مادة كيميائية معينة تُسمى NKG2DLs على سطوحها. تلك المادة تكون بمثابة "علم" يميز تلك الخلايا كأهداف لمراقبة المناعة والقضاء عليها.
من خلال هندسة وإعادة برمجة الخلايا المناعية التائية، أنشأ الباحثون خلايا جديدة سمّوها "NKG2D-CAR T" قادرة على تحديد الخلايا المتشيخة والقضاء عليها مع الحفاظ على الخلايا السليمة.
يقول تشاو لـ"المجلة": "يستفيد هذا النهج من القدرة الطبيعية للجهاز المناعي على التعرف الى الخلايا الشائخة باعتبارها تهديدات محتملة".
في الدراسة، عولجت الفئران المسنة والرئيسيات غير البشرية بتلك الخلايا. وكانت النتائج واعدة ومهمة. فقد استهدفت الخلايا التائية المهندسة بشكل فعال الخلايا المتشيخة في الأنسجة المختلفة وقضت عليها دون التسبب في آثار جانبية خطيرة.
وأدى العلاج الجديد إلى تحسين الوظيفة الجسدية وتقليل التهاب الأنسجة وتخفيف الأمراض المرتبطة بالعمر لدى كل من الفئران والرئيسيات غير البشرية.
ففي نماذج الفئران، أظهر العلاج نتائج ملحوظة. إذ تم تقليص عدد الخلايا الشائخة بشكل فعال. ارتبط هذا الانخفاض بتحسن الأمراض المرتبطة بالشيخوخة. من خلال استهداف الخلايا الشائخة على وجه التحديد، أظهر العلاج بالخلايا المناعية التائية قدرته على تخفيف الآثار الضارة للشيخوخة الخلوية.
النجاح الذي لوحظ في نماذج الفئران، دفع الباحثين إلى استكشاف تطبيق العلاج في الرئيسيات غير البشرية، وهو تمثيل أقرب لعلم وظائف الأعضاء البشرية. أكدت التحقيقات الأولية أن العلاج نجح أيضا في استهداف الخلايا الشائخة في الرئيسيات غير البشرية، مما يوفر دليلا إضافيا على فعالية العلاج خارج نماذج الفئران. تؤكد النتائج متانة هذا النهج وإمكان ترجمته على التجارب البشرية.