الأندية السعودية... نحو دوري أبطال أوروبا؟https://www.majalla.com/node/298616/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%86%D8%AD%D9%88-%D8%AF%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%A3%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D9%84-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%9F
تناقلت وكالات الأخبار والصحف والمواقع العالميّة في الأيام الماضية اهتمام إدارة دوري المحترفين السعوديّ بالانضمام إلى دوري أبطال أوروبا المقبل (2025/2024) في نظامه الجديد. واشتعلت التحليلات في منصات رياضية أوروبية مختصّة عن إمكان حدوث ذلك. فذكر تقرير نشرته صحيفة "كورييري دي سبورت" الإيطالية أن الاتحاد السعودي لكرة القدم بمعيّة إدارات الأندية الأربعة المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة يعدّ ملفا إلى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا) يسمح لبطل دوري روشن بالتنافس مع كبار القارة العجوز في المسابقة الكروية الأهم خلال موسم كرة القدم العالمي.
خطوة أخرى، طموحة وجريئة في مسار ما تشهده الكرة السعودية من تطوّرات متسارعة بعد دخولها جادّة الاستثمار الرياضي توسيعا لآفاق اقتصاد المملكة. وهو التوجه الذي أدخل أربعة أندية محلية في سباق "الميركاتو" الصيفي بقوة، لمنافسة الأندية الكبار بغرض الحصول على أفضل لاعبي العالم. وهذا ما حدث بالفعل عبر مجموعة من الاستقطابات الكبيرة التي نقلت مسابقة الدوري الى مستوى آخر من الإثارة والتشويق، وفي الوقت نفسه، من القيمة السوقية والتأثير المنتظر في كرة قدم المنطقة والقارة الصفراء. وقد ظهر سريعا أثر اللاعبين العالميين الذين جاؤوا أخيرا إلى البلاد في بطولة كأس الملك سلمان للأندية العربية الأخيرة التي اختتمت قبل أسبوعين، فزاد الحضور الجماهيري، وارتفع المستوى الفنيّ العام للمنافسة، وحظيت المباريات باهتمام عالمي لم يُعهد في البطولات العربية الإقليمية السابقة.
أن نرى فريقا عربيا في بطولة أوروبية هي فكرة مبتكرة بلا شك، ومن يستغربها من المتابعين يمكنه تذكّر تجارب مقاربة كانضمام أستراليا إلى منافسات الاتحاد الآسيوي، أو لعب المنتخب القطري في بطولتي كوبا أميركا والكأس الذهبية (كونكاكاف)
أن نرى فريقا عربيا في بطولة أوروبية هي فكرة مبتكرة بلا شك، ومن يستغربها من المتابعين يمكنه تذكّر تجارب مقاربة كانضمام أستراليا إلى منافسات الاتحاد الآسيوي، أو لعب المنتخب القطري في بطولتي كوبا أميركا والكأس الذهبية (كونكاكاف). بل إن الاتحاد الأوروبي نفسه تضم بطولاته للأندية دولا محدودة من خارج أوروبا، منها كازاخستان وتركيا، وتشارك فرقها في دوري أبطال أوروبا. لذا فإن الطموح السعودي لن يكون المحاولة الأولى التي يواجهها أعضاء المكتب التنفيذي في "ويفا".
غير أن هذه الخطوة لا تزال محفوفة بجملة من التحدّيات، منها إقناع أعضاء الاتحاد ذاته بالفكرة، إلى جانب تطبيق معايير قانون "اللعب النظيف" الذي يلزم الفرق ألا يتجاوز إنفاقها معدل أرباحها، إضافة إلى بعض التحسينات الهيكلية في المسابقة التي قد يطلبها المنظمون. ولكن ما الذي ستجنيه الفرق السعودية من الانضمام إلى دوري أبطال أوروبا؟
الحقيقة أن "التشامبيونز ليغ" هي البطولة الأغلى على صعيد بطولات العالم للأندية بعوائد تتجاوز 3,9 مليارات دولار سنويا. ومعلوم أن الأندية السعودية لا تريد أن تبقى نفقاتها مفتوحة ومن دون عوائد، وهذه الأخيرة ستتدفّق بشكل أكيد لو انضمت الأندية السعودية إلى منافسات البطولة. كما أن المتابعة الجماهيرية للمسابقة تشكل عاملا حاسما في دعم المسابقة المحلية وتعزيز أرباحها وأهميتها ضمن خريطة الدوريات العالمية. يكفي أن نذكر أن المباراة النهائية للبطولة، وحدها، تحظى بأكثر من 400 مليون مشاهد حول العالم.
"التشامبيونز ليغ" هي البطولة الأغلى على صعيد بطولات العالم للأندية بعوائد تتجاوز 3,9 مليارات دولار سنويا. ومعلوم أن الأندية السعودية لا تريد أن تبقى نفقاتها مفتوحة ومن دون عوائد، وهذه الأخيرة ستتدفّق بشكل أكيد لو انضمت الأندية السعودية إلى منافسات البطولة
إن الأساس في دخول صندوق الاستثمارات العامة على خط الاستثمار الرياضي وشراءه 75 في المئة من أسهم الأندية الكبرى، هو تحقيق مكتسبات استثمارية اقتصادية بعيدا من قطاع النفط، وتحقيق هدف كهذا بحاجة إلى نقلة نوعية تضمن تحويل الأندية –والمسابقة المحلية بالضرورة- إلى أصول استثمارية. كل ذلك يحتاج إلى منافسة - سوق كبيرة تطرح فيه الأندية ما لديها من إمكانات. وليس هناك أكبر من البطولة الأوروبية العريقة التي تجذب حولها الملايين من المتفرجين والشركات العملاقة، والأموال تاليا، كنتيجة. فضلا عن الفائدة الفنية الاستثنائية التي ستجنيها الفرق السعودية من ملاقاة أبطال الدوريات الأوروبية، الأمر الذي سينعكس على جودة اللعبة ورفع احترافيتها على نحو متسارع وجاد.
فالمشاركة السعودية في دوري الأبطال ستأتي بالمزيد من الجاذبية لمسابقة الدوري، وستفتح مرحلة من الفكر الجديد في المسابقات الكروية يتجاوز الأطر السابقة التي تحدّد البطولات جغرافيا. مرحلة تكون فيها "عالمية" اللعبة أكثر تجسّدا على الأرض وأكثر واقعية.
بعض أفضل لاعبي العالم هم في يد الأندية السعودية كورقة تفاوض محتملة مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي. فرونالدو ونيمار وبنزيما ومانيه، يشكلون ثقلا كبيرا لصالح المسابقة، وقد تفكر أوروبا في استعادة نجومها الذين هاجروا إلى الشرق الأوسط من بوابة غير مباشرة. لكن حتى يتم تقديم الطلب السعودي بشكل رسمي سيظل ردّ مسؤولي المسابقة مجرد احتمالات.
تطوّرات لافتة
وكان مدير عمليات دوري روشن كارلو نهرا أعلن في تصريحات صحافية أن أي تحسينات أو تغييرات في شكل الدوري ستكون محل ترحيب. وأن الحديث عن انضمام بطل المسابقة المحلية إلى بطولة دوري أبطال أوروبا هو حديث بين الاتحاد الأوروبي لكرة القدم والاتحاد السعودي. وقد تضمن هذا التصريح المتوازن أخبارا لافتة عن أرقام الدوري المحلي الذي بات معروضا في أكثر من 140 دولة وتضاعفت عوائد بثه 650 في المئة منذ قدوم "صاروخ ماديرا" كريستيانو رونالدو إلى "النصر".
إن الأساس في دخول صندوق الاستثمارات العامة على خط الاستثمار الرياضي وشراءه 75 في المئة من أسهم الأندية الكبرى، هو تحقيق مكتسبات استثمارية اقتصادية، وتحقيق هدف كهذا بحاجة إلى نقلة نوعية تضمن تحويل الأندية إلى أصول استثمارية
نهرا يؤمن بأن تطوير الدوري المحلي مشروع طويل الأمد، وبأن لا إلزامات زمنية تحدّد تحقيق ذلك، مما يمنح مسؤولي الاتحاد السعودي بيئة مساعدة لرفع قيمة المسابقة والفرق وتسويقها للعالم.
الأحداث الرياضية الكبيرة في المملكة مستمرة: بعد البطولة العربية، جاء انطلاق الدوري، وبانت سريعا ملامح التغيير الأخير بارتفاع أعداد الأخبار والمقالات والتحليلات التي تتناول دوري روشن.
وصارت نتائج مباريات الدوري السعودي تظهر في كبرى التطبيقات الكروية في العالم. الحدث الثالث سيكون في ديسمبر/كانون الأول المقبل، إذ تتجّه الأنظار إلى مدينة جدة حيث ستقام النسخة العشرون من كأس العالم للأندية 2023 كحدث عالمي آخر في قطاع كرة القدم في البلاد. سيكون الأنصار على موعد قد يلعب فيه هالاند (مانشستر سيتي) أمام بنزيما (الاتحاد).
ما يلفت الأنظار في المباريات الأولى للدوري، وعلى الرغم من استقطابات النجوم العالميين، أن الفرق الكبيرة واجهت صعوبات أمام الفرق الباقية، فتعادل الهلال أمام الفيحاء وخسر النصر مباراتين، مما يعني أن مستوى التنافسية في الدوري عالية، وأن الندّية حاضرة، وهذا تحديدا عين ما تسعى إليه رابطة الدوري المحلي في "استراتيجيا التحول" التي أعلنتها أخيرا، والمرتكزة على محاور ثلاثة رئيسة: تعظيم تنافسية المسابقة، وتحقيق النمو المستدام على المنظور البعيد، وإدخال المسابقة في قائمة أقوى عشرة دوريات في العالم بحسب إعلانها في يوليو/تموز المنصرم.
إعادة تقييم
تتضمن الاستراتيجيا إعادة تقييم ورفع مستوى الأداء الإداري للأندية المنضوية في الدوري، وبرنامج استقطاب لاعبين على مستوى عال، وخفض مستوى أعمار اللاعبين المشاركين في البطولة إلى 16 عاما بدلا من 18 عاما، وإلزام الأندية تسجيل 10 لاعبين على الأقل ضمن فريقها دون 21 سنة. الأمر الذي سيدفع بعجلة تطوير الفئات العمرية الى الأمام ويخلق جيلا جديدا من اللاعبين الشباب على مستوى فني عال لاعتبارات احتكاكهم مع لاعبين بجودة عالية أسبوعيا على مدار ستة أشهر (بدأ الدوري في 11 أغسطس /آب).
تعظيم العوائد لرابطة الدوري والأندية، من حقوق بث المباريات، وزيادة القيمة السوقية للمسابقة، واستقطاب رؤوس الأموال، وتطبيق معايير الرخص المحلية والقارية، جميعها ثمار يمكن جنيها بعد تطبيق استراتيجيا التحول كجزء من سعي البلاد إلى تطوير صناعة اللعبة احترافيا، لكن عملا شاقا يجب أن يبذل، ومسارا من التحديات يجب أن يُجتاز.
إن تطوير اللعبة بدءا بتطوير اللاعبين عبر برامج مختصة يشكل الدوري جزءا منها، سيجعل من الأندية والمنتخبات السعودية رقما صعبا في منافسات القارّة. على الفرق الآسيوية اليوم الاستعداد لمرحلة مقبلة تكون فيها أمام أندية مزوّدة بترسانة قوية من المواهب، تسندها جماهير شغوفة وإدارات متطوّرة وطموح متصاعد. وليس غريبا لو قلنا إن مسابقات الاتحاد الآسيوي (بطولة الأبطال تحديدا) ستجني فوائد كبيرة من سطوة وجود الأسماء الثقيلة في مسابقاتها، والأمر نفسه ينسحب على أعضاء الاتحاد الآسيوي.
كنت قد اطلعت منذ أيام على إعلانات تشويقية لنادي القوة الجوية العراقي الذي سيلاقي نادي الاتحاد في بطولة الأبطال الأسيوية: "بنزيما الاتحاد يواجه الجوية في أربيل". هكذا ستأخذ المواجهات العربية والآسيوية طابعا آخر من الإثارة والحماسة، حماسة جماهيرية وزخم إعلامي، وسيعود وجود نجوم دوري روشن بالفائدة على اللعبة في المنطقة العربية والإقليم. لم يعد مركز كرة القدم في العالم موجودا في أوروبا وحدها إذا، ثمة مركز جديد ينمو باطراد آتيا من بلاد العرب. يبدو أن عصرا جديدا في تاريخ اللعبة يكتب في أيامنا.