تغيرت ثقافة شريحة كبيرة من البشر في ضوء تطلعها إلى أحدث التكنولوجيات وأكبرها وأسرعها وأقلها تكلفة، في ظل الرقمنة والذكاء الاصطناعي وتقارب العالم وتفاعله وتأثره بكل ما هو ذكي. هكذا اختلط حابل العالم الواقعي بنابل العالم الافتراضي، واستطاع التطور التكنولوجي أن يتغلل في عالم الاقتصاد الرقمي. ومع تمدده، بدأت المصارف بإعادة تشكيل التطورات التي تخدم عملاءها ومواكبتها، لتختصر وقت الانتظار داخل المصارف أو خارجها. تغيرات جوهرية ستطرأ على العملاء في الدول المتقدمة على صعيد أداء المصارف وأنظمة الخدمات المصرفية بفضل التفاعل الرقمي. وستنتفي حاجة العملاء إلى الذهاب إلى المصرف، وسيقتصر التعامل على الهواتف الذكية والحوسبة السحابية.
أما مصر فقطعت شوطاً كبيراً خلال الآونة الأخيرة في مكننة المعاملات المالية، وتسعى في الوقت الراهن إلى الافادة المثلى من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتكون متأهبة للتحديات المستقبلية التي ستحقق النجاح الدائم في عالم المصارف الرقمية. هناك سعي إلى رقمنة حياة المواطنين بالتعامل اللانقدي مع فئات المجتمع كلها، ليكون متاحا لدى نسبة كبيرة من العملاء، على الرغم من أن تطبيقه سيكون صعبا على تعاملات فئة من المصريين لا تجيد التعامل مع الصرافات الآلية أو تتخوف من إيداع الأموال في المصارف من الأساس، وهذه شريحة لا يستهان بها عددياً على الرغم من جهود الدولة في زيادة الوعي تحقيقا للشمول المالي.
بدأ المصرف المركزي المصري اللحاق بركب التطورات ومواكبة العصر، إذ وافق أخيراً على الترخيص لمصارف رقمية تقدم خدماتها كلها من طريق الإنترنت بدلاً من تقديمها من خلال مقر رئيسي وفروع، لإحداث تطورات وطفرات في المعاملات المصرفية الافتراضية ولبناء مجتمعات فاعلة تنافسية ومستدامة. وكان قانون المصرف المركزي الجديد صدر عام 2020 وتمت الإشارة فيه إلى المصارف الرقمية صراحة، مع شمولها في قواعد تأسيس المصارف وعملها وضوابطهما في شكل عام، إلا أن قرار الموافقة على إصدار قواعد ترخيص وتسجيل المصارف الرقمية والرقابة والإشراف عليها صدر منتصف يوليو/تموز 2023، وسرعان ما تقدمت مصارف عدة للحصول على تراخيص لإقامة مصارف رقمية لكونها أصبحت تمثل حلقة الاتصال والنافذة الأكثر أهمية مع العالم الخارجي. بذلك، يكون جرى تفعيل القانون الجديد للمصرف المركزي، والبدء عملياً باستيعاب ذلك النوع من المصارف في السوق المصرية.
المحافظ الإلكترونية و"الفينتك"
في مقلب آخر، ساهمت المحافظ الرقمية أو الإلكترونية مثل "آبل باي" أو "باي بال" أو "غوغل باي"، في العمل وسيطاً بين حساب المستهلك التقليدي أو بطاقة الائتمان الخاصة به وبين البائعين، عادة عبر هاتف ذكي أو جهاز كومبيوتر. إلا أن التكنولوجيا المالية "فينتك" (fintech)، وهي اختصار لـ (financial technology) ساهمت في صورة كبيرة في تيسير عمليات الإقراض للمشاريع المتناهية الصغر، ونجحت في خفض التكلفة وزيادة إيرادات الشركات الصغيرة والمتناهية الصغر. ومن المزايا التي قدمتها هذه التكنولوجيا المالية، ابتكار المنتجات الجديدة والخدمات والاحتفاظ بالعملاء وسرعة الوصول إلى السوق، لذلك سعت المصارف إلى استخدام التقنيات التكنولوجية لتحسين وضعها الحالي.