نكتشف في هذا المعرض كيف طمس الفنانون الحدود بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي، وابتكروا أشكالا جديدة ومثيرة من الفن. من اللوحات التعبيرية لبابلو بيكاسو إلى الصور المذهلة التي التقطها هيروشي سوغيموتو، نرى كيف تكاملت هاتان الوسيلتان المميزتان بمرور الوقت. وصولا إلى مطبوعات آندي وارهول بالشاشة الحريرية، أو أعمال الرسم الواقعي لجيرهارد ريختر في ستينات القرن العشرين وثمانيناته، أو الصور البانورامية الواسعة النطاق لأندرياس غورسكي. حتى ليُشك في ما إذا كان الأميركي آندي وارهول رساما حقا، هو الذي حول الصور الفوتوغرافية إلى رسوم من طريق تقنية الطبع بالشاشة الحريرية.
يقيم المعرض حوارا مفتوحا بين بعض أعظم الرسامين والمصورين في العصر الحديث، نستكشف من خلاله كيف استخدمت الفرشاة والعدسة لالتقاط اللحظات في الوقت المناسب. لكن مشكلة المعرض تكمن في أنه استند بشكل أساس إلى مجموعة رجل الأعمال التايواني بيير تشين من خلال مؤسسته YAGEOوهذا ما دعا النقاد إلى اعتباره معرضا غير جاد. فالرحلة المفترضة من خلال الرسم والتصوير مشوّشة، وفي بعض الأحيان مبسّطة بشكل هزلي. لكن ذلك شأن كل المعارض التي تعتمد على مبدأ المقاربة. شهدت باريس قبل سنوات معرضا بعنوان "رودان - بيكاسو". كان ذلك المعرض مناسبة لكي يُخرج متحفا بيكاسو ورودان ما تكدّس في مخازنهما من أعمال ليصنعا منها مناسبة لاجتذاب السياح. يملك بيار تشين أعمالا فنية في إمكانها أن تفتح الخيال على آفاق جديدة، فضلا عن امتلاكه موهبة النظر إلى الرسم والتصوير بقوة المزاج ذاته. ما يقوله النقاد ليس صحيحا دائما.
من خلال العدسة
يعدّ الرسام البريطاني ديفيد هوكني الأبرز في مجال تقريب الصلة بين الرسم والتصوير والأكثر افصاحا عن تلك الصلة. دأب هوكني منذ أكثر من عشرين سنة على رسم لوحات كبيرة للطبيعة لا يُخفي أصلها الفوتوغرافي، بل أنه كان أحيانا يعرض ذلك الأصل بتقنية تقرّبه من الرسم. لعبة كان الفنان قد مارسها يوم رسم مسابح كاليفورنيا في ستينات القرن الماضي. كانت تلك العلاقة واحدة من أسرار "البوب آرت" كما قدمه هوكني. في المقابل نجح الياباني هيروشي سوغيموتو في أن يصنع صورا هي أشبه بالرسوم حتى يصعب على المرء التفكير في أصلها الفوتوغرافي. لم يكن حضور لوسيان فرويد (1922 ــ 2011) في المعرض مفاجئا، فهذا الفنان اعتاد أن يرسم صورا شخصية بحجم الكف كما فعل مع الملكة اليزابيث الثانية، غير أن الألماني جيرهارد ريختر (1932) قد يكون بلوحاته الأربع المفاجأة التي تسرق الأضواء من الجميع. فالرسام الذي عُرف تجريديا يفصح عن مهاراته في تقليد الصورة الفوتوغرافية يوم كان رساما واقعيا حتى عام 1983. لكنها واقعية تنبئ بنزعة تجريدية.
لم يكن القيمون على المعرض أحرارا في ما اختاروه من الأعمال الفنية التي تثبت نظريتهم، بسبب اعتمادهم على مصدر وحيد هو مجموعة رجل الأعمال التايواني تشين وهذا ما دفعهم أحيانا إلى التغاضي عن وجود عدد من الأعمال تبدو مقحمة في مسألة هي بعيدة عنها. غير أن واحدة من أجمل المفاجآت السعيدة بالنسبة إلي أن أرى عملا للفنان السوري مروان قصاب باشي. كان الشاعر بدر شاكر السياب حاضرا في المعرض من خلال لوحة مروان. وليست هي المرة الأولى أرى فيها عملا لمروان في معرض عالمي. في هذا المعرض يبدو الفنان الذي عاش معظم حياته في برلين، في مكانه الطبيعي. فهو واحد من أكثر الفنانين حماسة لكسر الحدود بين الرسم والتصوير منحازا الى قوة الرسم التعبيرية.