في وسط كاتدرائية سالزبوري في إنكلترا تقف المؤرخة والمذيعة البريطانية بيتاني هيوز وهي تتفحّص تصميم أعمدة الكاتدرائية وزخارفها، وتحكي عن الاكتشاف المثير الذي وجده علماء الآثار حين قاموا بتجديد سقف الكاتدرائية، حيث عثروا على رموز تبدو مألوفة جدا لنا اليوم، لكنها بمعيار ذلك الزمن اعتبرت حدثا مهما، وعلامة على التحول في الحياة والعمارة المدنية في أوروبا. فقد وجدوا داخل الأسقف أول ظهور للأرقام العربية في إنكلترا، وذلك في حدود القرن الثاني عشر الميلادي، حيث كانت الأرقام العربية مجهولة بشكل كبير، ولا يستخدمها إلا نخبة المهندسين، في حين كان الجميع ذلك الوقت يستخدمون الأرقام الرومانية الضخمة.
دلالة هذا الاكتشاف تشير إلى التحوّل الكبير الذي بدأت تظهر معالمه في أوروبا مطلع القرن الحادي عشر، حين أخذت العلوم العربية تشق طريقها نحو مدن أوروبا وتطبع بأثرها مجالات الحياة والعلم والعمارة والمعرفة والتجارة. تعلق هيوز أمام هذا المشهد قائلة: "هذه الأرقام التي نستخدمها اليوم، وجودها هنا في ذلك الوقت دليل على أن الحرفيين استفادوا من انفجار المعرفة التي بدأت في الجزيرة العربية، وانتشرت في أوروبا عبر الأندلس".
لا يقتصر الأمر على الأرقام فحسب بل تأخذنا هيوز إلى مفاجأة أكبر، في برنامجها الوثائقي الذي يتحدّث عن أثر حضارة الأندلس في العالم، تقف وسط مدينة بريطانية عريقة وتقول: "هنا جاء المسافرون من طليطلة، عاصمة العلم في الأندلس التي كانت مزارا ومقصدا لشباب أوروبا الباحثين عن المعرفة، ومن أبرزهم شاب نشيط متطلّع للحكمة، أمضى سنوات طويلة في التجوال، إنه دانيال أوف مورلي الذي عاش في القرن الثاني عشر، عاد إلى إنكلترا قادما من طليطلة ومعه صناديق مليئة بالمخطوطات النفيسة والوثائق والمجلدات، وعند وصوله إلى إنكلترا حدّد موعدا مع الأسقف جون أوف نورويتش لتسليم ما معه من غنائم ثمينة. كان المتبرع واحدا من المتحمسين الذين أرادوا لمدينتهم أن تكون مركزا للعلم والمعرفة... وتلك المدينة هي أكسفورد".