نعثر كذلك على قصائد لمحمد عفيفي مطر، وباسيل عكولة، وأحمد مرسي ومحمد زفزاف، ومقالات نقدية لغالي شكري، وروز غريب، وسهيل بشروئي، وهانز بندر، وإدريس الخوري، إضافة إلى مقابلة مع الرسام السوريالي الشهير سلفادور دالي أجرتها نور سلمان، وفصل من رواية "البومة العمياء" لصادق هدايت، ومشهد "دائرة التباشير القوقازية" لبرتولد بريشت، كما لا تغفل المجلة تقديم مجموعة من الأخبار الثقافية وعرض أهم الكتب الصادرة في تلك الفترة.
روح جماعية
يستحضر العدد الروح الجماعية للمجلة، إذ إن تجربتها عموما وما يتجلّى في العدد الأخير الذي نتلمّسه بين أيدينا حاليا، يضيئان على فكرة اجتماع مثقفين وكتاب وفنانين ومفكّرين من مشارب ذوقية وسياسية وثقافية وشخصية مختلفة ومتناقضة تحت سقف الانحياز إلى مغامرة التحديث والتعبير عنها.
كانت الجماعية التي تتوحّد في الاتجاه، تتنافر في المسالك والطرق والأساليب والقراءات والخيارات التقنية والكتابية، صانعة بذلك فرديات شديدة الخصوصية من داخلها وعبر ما تتيحه. المشهد كان بمثابة تصادم شرس واختبارات مستمرّة، يعيد فيها كل من خاض غمار التجربة إعادة اكتشاف دائمة لعلاقته مع الفكر والكتابة ومع مشروعه الخاص.
كان الانفتاح على العالم عبر الترجمة الذي كان المؤسّس يوسف الخال قد رأى فيه مدخلا لتفعيل الثقافة العربية وإعادة بنائها ودمجها بالعالمي والحديث كمقدمة للنهوض العام، في صلب المشروع، ساعيا إلى أن تكون تلك المجموعة التي رافقت تجربة المجلة قادرة على هضم المختلف واستيعابه وتمثله، وتذويب كل ذلك في قالب الثقافة المحلية والخصوصية لتقديم نتاج عالمي الهوى والاتجاه وحديث في منطقه وأسلوبه، لكنه في الآن نفسه ينتمي إلى الثقافة العربية ويصدر عنها.
أنسي الحاج ويوسف الخال
وقد جعلت آليات إنتاج العمل التي كانت تتكثف وتتخمّر عبر اللقاءات الأسبوعية التي كان الخال يعقدها مع كتّاب المجلة والتي يحضر فيها كل شعر العالم ونقاشاته، كل ما كان يصدر من نتاج، جماعيا في أصل تكوينه وفي مرجعيته، بمعنى أنه لا يمكنه أن يرى النور بالشكل الذي ظهر فيه من خارج عملية الاصطدام الدائم بفكر الآخر وتجربته، التي تجعله شريكا في إنتاج النص وحاجة ضرورية لا غنى عنها لاستمرار الإنتاج واكتماله.
لا يمكن العثور في أيامنا هذه على تجربة مماثلة، فالجماعية بمعنى التعاون والتفاعل غابت وحلّ مكانها الهوس الجماعي والهذيان الجماعي وبات كل ما يمكن رده إلى الجماعة يقتصر على البؤس والتخلف.
لعلّ الجو الذي شاع بعد نكسة 1967 والذي قد يكون إقفال المجلة بعدها بفترة وجيزة، هو أحد معالم سيطرة اليأس الجماعي والصدمة النفسية الجماعية التي أخرجت الفعل الثقافي من المشهد بوصفه نوعا من الوعي الذي لا يحتمل، وأحلّت مكانه موجة عارمة من الخرافات والبكائيات لا تزال قائمة حتى الآن. فباتت خيارات المقاومة بالتحديث وإشاعة الوعي الفائق والحاد بالوجود والذات والعالم التي كانت في صلب المشروع الجماعي لمجلة "شعر"، خارج المعادلة، لأن شروطها وظروف إنتاجها تفكّكت وتشظّت.
يمكن تلمّس تنامي تلك الظاهرة في الخطاب الثقافي العام الذي تبع مرحلة إقفال مجلة "شعر" عام 1970 بحيث يمكن اعتبار ذلك التاريخ بداية نهاية ظهور الأعمال الفنية القائمة على الجماعية، أو تلك التي تتطلّب روحا جماعية أو تقوم على تعاون مجموعة من الفنانين والمفكّرين من دون أن تكون خطابا يحيل على سلطة محددة أو يخاطبها أو ينطق باسمها.
الرسام السوريالي الشهير سلفادور دالي
ذوت السينما الاستعراضية والمسرح الاستعراضي وماتت المجلات الثقافية الشاملة التي لا تحمل توجها أيديولوجيا محدّدا. سيطرت الفردية على النتاج الثقافي عموما، سواء كانت صادرة عن النجم الأوحد والسوبر ستار أو كانت أعمالا تنطق باسم سلطات كان الخطاب الدعائي يجعل الجماهير رافعة لها، في حين أنها تتجه إلى دعم صورة الديكتاتور الفرد وتعزّزها.
انتزعت روح الاختلاف من الجهد الجماعي التي كان من شأنها تحويل تجارب مثل تجربة مجلة "شعر" إلى مصنع تجارب وخبرات، وحلّ التماثل المرعب في روح الجماعات وفُرض على التجارب والنزعات، فصار كل ما يبدو اختلافا في الظاهر مجرد تنويع على المشهد نفسه وإعادة إنتاج للخطاب الواحد.