طائرات "إف-16" وعسكرة أوروباhttps://www.majalla.com/node/298371/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D9%81-16-%D9%88%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7
إحدى أهم السمات الفريدة، وربما الخلل، في الحرب على أوكرانيا هو الاستخدام المحدود للقدرات الجوية. يوصّف الجنرال السابق في القوات الجوية الأميركية، فيليب بريدلوف، الوضع الجوي بأنه حالة "إنكار متبادل"؛ فمن الواضح أن الدفاعات الجوية الروسية قادرة على إبقاء الطائرات الأوكرانية بعيدا عن الجبهة، وأن موسكو مترددة في المخاطرة بطائراتها ما بعد خطوط المواجهة، حرصا على عدم خسارة المزيد من المعدات. وربما يكون هذا السبب كافيا لمقارنة هذه الحرب بالحرب العالمية الأولى، حين ظهرت الطائرات العسكرية ذات الأجنحة الثابتة لأول مرة، في حينه كان الهدف الأساس من القوة الجوية هو رفع مستوى القتال خارج وحول الخنادق. الآن وفي غياب أي حضور للقوات الجوية عادت الحرب إلى الخنادق.
وعلى الرغم من المجال الجوي المتجمد فوق أوكرانيا، فقد بدأت كييف حملة ضغط رفيعة المستوى لحيازة الطائرات المقاتلة الغربية منذ يناير/كانون الثاني المنصرم، مباشرة بعد إعلان ألمانيا والولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بدبابات القتال الرئيسة للمرة الأولى؛ فإذا كانت الأجواء مغلقة فوق جزء كبير من أوكرانيا، هل يمكن لطائرات "إف-16" الأميركية أن تحدث فارقا نوعيا؟ وكيف يمكن قراءة الموافقة الأميركية والاندفاعة الأوروبية لتزويد أوكرانيا بالطائرات؟
القدرات الجوية الأوكرانية والخروج من الحقبة السوفياتية
دخلت أوكرانيا الحرب بحوالي 50 طائرة من طراز "ميغ 29" وعدد غير مؤكد من طائرات سوخوي (Su-27s). لقد ورثت أوكرانيا عام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفياتي 74 طائرة من طراز (Su-27s) ، وبعد ثلاثة وعشرين عاما كان العدد المتبقي منها في الخدمة أقل من 25 طائرة. اليوم، أضحى إحصاء هذه الطائرات سرا يخضع لرقابة مشددة.
رغم المجال الجوي المتجمد فوق أوكرانيا، فقد بدأت كييف حملة ضغط رفيعة المستوى لحيازة الطائرات المقاتلة الغربية منذ يناير/كانون الثاني المنصرم، مباشرة بعد إعلان ألمانيا والولايات المتحدة تزويد أوكرانيا بدبابات القتال الرئيسة للمرة الأولى
تعد طائرات (Su-27s) أفضل ما لدى أوكرانيا في غياب أي مصدر خارجي للحصول على بدائل، لذلك سعت روسيا إلى تدميرها، في حين أرادت أوكرنيا حمايتها، هذا مع تأكيد كثير من المراقبين تدمير ما لا يقل عن 52 مقاتلة وطائرات هجومية أوكرانية في الأشهر الـ11 الأولى من الحرب الروسية الأوسع على أوكرانيا.
واجهت الطائرات الأوكرانية منذ اندلاع الحرب صعوبات ناتجة عن افتقارها إلى إلكترونيات الطيران الحديثة وأجهزة الاستشعار وتحديثات الأسلحة مقارنة بالطائرات الروسية التي تستخدم أحدث النماذج من الطائرة نفسها التي شهدت عقودا من التحديث. واضطر الطيارون إلى التحليق على ارتفاعات منخفضة لتجنب اكتشافهم أثناء تنفيذ مهام هجومية. الفارق الأكبر بين الطائرات الروسية والأوكرانية هو استخدام الروس صواريخ (R-37M) وهي من أفضل صواريخ جو-جو المنتشرة اليوم، وتبلغ سرعتها 6 أضعاف سرعة الصوت مقارنة بصواريخ (R-27) التي يستخدمها الأوكرانيون، كما يبلغ مداها 5 أضعاف مدى الصاروخ الأوكراني، مما منح الطيارين الروس القدرة على تدمير الأهداف والطائرات الأوكرانية على مسافة أكثر أمانا. ومن جهة أخرى فإن محاولة الطيارين الأوكرانيين الاستمرار في المنافسة في الأجواء كانت تعني المغامرة بما تبقى لديهم من طائرات.
إن مجرد امتلاك أوكرانيا لطائرات "إف-16" يعني وجوب امتلاك القدرة على تشغيلها وصيانتها واستدامة جاهزيتها، الأمر الذي يستلزم تجاوز التحديات التي تواجه كلا من هذه المهام أو تحول دون تحقيقها. لقد حدّدت خدمة الأبحاث في الكونغرس، وهي وكالة فرعية تشريعية تتبع مكتبة الكونغرس ومعنية بتقديم التقارير الموثوقة والموضوعية والسرية لضمان حصول الكونغرس على أفضل الأفكار على مدار الساعة (24/7 access to the nation's best thinking) ــ في دراسة أجرتها في مارس/آذار 2023 كثيرا من الموجبات الحاسمة والضرورية لإدخال طائرات "إف-16" إلى الميدان بنجاح، وهي: الحصول على قطع غيار كافية، وتخصيص التمويل للعمليات والدعم، وتطبيق نظام للتخزين، وتدريب المشرفين، والحصول على إمدادات مستمرة من الأسلحة لتسليح الطائرات. وتخلص الدراسة إلى استنتاج أنّه من غير المرجح أن تغيّر طائرات "إف-16" التوازن في ساحة المعركة.
كل هذا يعني أن الوضع أكثر تعقيدا بكثير من مجرد تدريب طيارين أوكرانيين وتسليم مجموعة من الطائرات التي اختبرت لمدة طويلة، فهناك ضرورة لوضع خطط الدعم لهذه الطائرات وضمان قدرتها على التحليق باستمرار كي لا تتحول إلى أهداف ثابتة وباهظة الثمن لصواريخ جو-أرض الروسية. والوقت اللازم للقيام بكل ذلك بالطريقة الصحيحة قد يؤخر نشر الطائرات والبدء باستخدامها في العمليات حتى نهاية العام الحالي وربما إلى ما بعد ذلك بأشهر عديدة.
إن إدخال هذه الطائرات إلى نظام معركة مختلف له ثغراته، فالمسألة ليست ببساطة عبارة عن توصيل وتشغيل (plug-and-play)؛ فهذه الطائرات كأي نظام أسلحة معقّد قد تم تصميمه لأداء مجموعة معينة من الأدوار داخل منظومة عسكرية قائمة لها عقيدتها وثقافتها الفريدة بهدف تحقيق الاستفادة القصوى منها، وبالتالي يتعين على الأوكرانيين التمرس بكثافة على استخدام التقنيات المتلازمة مع الأهداف التي صممت هذه الطائرة من أجلها، وهي مساعدة القوات الجوية الأميركية على التغلب على القوات الجوية الروسية. إن تحقيق كل ذلك يتطلب المزيد من تطوير قدرات ومهارات الطواقم الأوكرانية اللوجستية والعملياتية.
قدرات الطائرة "إف-16" ونقاط ضعفها
قد يكون لدى المراقبين لمسار الحرب في أوكرانيا توقعات مفرطة لما يمكن أن تحققه الطائرة "إف-16"؛ فقد تم تصميم هذه الطائرة لتكون مقاتلة خفيفة الوزن ومتعددة الأدوار وقادرة على القيام بالكثير من المهام بشكل جيد، ولكنها ليست دائما الأفضل في أي منها. وهذه الطائرات لم تصمم للإقلاع والهبوط من مطارات غير مجهزة بشكل جيد (improvised airfields) أو تعذَر تأهيلها وصيانتها بسبب تعرضها الدائم للقصف، كما هو الحال في أوكرانيا حيث ستواجه الطائرات مخاطر دائمة بسبب دخول الحطام والشوائب في محركاتها.
وفي مجال القتال الجوي (air-to-air combat) ستواجه طائرات "إف-16" وضعا غير مؤات في مواجهة الطائرات الروسية؛ إذ يمكن للمقاتلات الروسية الحديثة مثل "ميغ-31" و "سو-35" أن تحقق التفوق الجوي من خلال قدرة راداراتها الحديثة على رصد الأهداف من مسافات أبعد، وكذلك من خلال استخدامها صواريخ (R-37) الذي يسميه الناتو (AA-13 "Axe head) ويبلغ مداه 400 كلم وتصل سرعته إلى 6 مرات سرعة الصوت، في حين يبلغ مدى صاروخ (AIM-120 AMRAAM) الذي يوفره الناتو 105 كيلومترات ولا تتجاوز سرعته 4 أضعاف سرعة الصوت. بعبارة أخرى، من المحتمل أن تتمكن الطائرات الروسية من رصد طائرات "إف-16" الأوكرانية وإسقاطها قبل أن يرصدها الطيارون الأوكرانيون، هذا بالضبط ما كان يحدث مع الأسطول الأوكراني الحالي من مقاتلات "سو-27" و"ميغ-29"، وهو ما لا يمكن للتحسينات التي أُدخلت على الطائرة "إف-16" من تعديله لصالح أوكرانيا.
وهذا التفوق الجوي الروسي سيرغم الطيارين الأوكرانيين على تجنب الاشتباك الجوي والعمل من خلف الخطوط الأمامية، مما يعني أن طائرات "إف-16" ستعمل ضمن قيود تحد من قدرتها على أداء مهام جو-أرض بأسلحة قصيرة المدى نسبيا مثل قنابل "JDAM-ER" Joint Direct Attack Munition-Extended Range)) الموجهة التي قدمتها بالفعل الولايات المتحدة، وتتحدث تقارير عن أنها تعرضت للتشويش من قبل القوات الروسية.
وفي المحصلة يبدو من غير المرجح أن تغير الطائرات الجديدة التوازن في ساحة المعركة في أي وقت قريب، فلن تستطيع القوات الجوية الأوكرانية تحقيق السيطرة على أجوائها مما سيبقي القوات البرية بحاجة دائمة للاعتماد على المنصات الجوية الحالية لأوكرانيا- بما في ذلك الطائرات دون طيار- للدعم الجوي.
أما على المدى الطويل، فهناك مزايا لوجستية وتكتيكية كبيرة ستحققها أوكرانيا بعد الحصول على الطائرات وتوفر قطع الغيار والصيانة والتدريب والموازنات المالية المطلوبة، إذ ستطور قدراتها الجوية مقارنة بالطائرات الروسية القديمة المتوفرة لديها، كما سيسهل ذلك دمج قواتها الجوية في الناتو في وقت ما في المستقبل، فكلما توافقت ترسانة أوكرانيا مع ترسانة الناتو كان ذلك أفضل.
وقد سبق وحصلت أوكرانيا على صواريخ (AGM Harm -88) عالية السرعة ومضادة للإشعاع
(AGM_88 High Speed Anti- Radiation ) لاستخدامها ضد الرادارات الأرضية، وتمت مواءمتها مع نظام ""MacGyver الموجود على طائرات "ميغ-29" الخاصة بهم، لكن التعديل التحديثي كان بعيدا عن المثالية إذ لم يتم تصميم مقاتلات الحقبة السوفياتية مطلقا لإطلاق صواريخ أميركية الصنع. والآن ستتمكن طائرات "إف-16" مع التطبيقات المحدثة من استخدام (HARM) بشكل أكثر فعالية، إلى جانب الأسلحة الأخرى التي تم تصميمها للاستخدام بواسطة طائرات "إف-16".
التفوق الجوي الروسي سيرغم الطيارين الأوكرانيين على تجنب الاشتباك الجوي والعمل من خلف الخطوط الأمامية، مما يعني أن طائرات "إف-16" ستعمل ضمن قيود تحد من قدرتها على أداء مهام جو-أرض بأسلحة قصيرة المدى نسبيا
أما على مستوى أنظمة الأسلحة جو-جو الأخرى المتاحة بشكل شائع لهذه الطائرات مثل (AIM-9 Sidewinder) و(AIM-120) والتي من المفترض أن توفرها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، فستكون مفيدة للدفاع عن أوكرانيا ضد صواريخ كروز الروسية (على سبيل المثال KH-101 و KH-555) والطائرات دون طيار الإيرانية الصنع من طراز "شاهد" (131/136). وستساعد أنظمة الأسلحة جو-جو التي ستزود بها الطائرات الأوكرانية في الحفاظ على ما تبقى من مخزون صواريخ أرض جو (S-300) لدى أوكرانيا والعدد المحدود من صواريخ باتريوت لفترة أطول.
ولكن يبقى التطور الذي يبدو منطقيا في قدرات الطائرات الأوكرانية هو إقدام الولايات المتحدة على تزويد أوكرانيا بصواريخ "JASSM" ((Joint Air to Surface Standoff Missiles سيما أنه سبق لبريطانيا أن قدمت صواريخ كروز "Storm Shadow"، واستخدمتها أوكرانيا بالفعل، وهذا الصاروخ يشبه إلى حد كبير الإصدار الأساسي من (JASSM) من حيث الحجم والمدى وإمكانية المراقبة، لذا فإن توفيره لن يشكّل تصعيدا ولن يتجاوز "الخط الأحمر" الروسي.
ومن المؤكد أن تأثير الطائرات الجديدة المحملة بـ"JASSM" لن يكون حاسما في استعادة السيطرة على شبه جزيرة القرم "دون قتال" كما يراه وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي روزنيكوف؛ إذ يتطلب ذلك قطع خطوط إمداد القوات الروسية في شبه جزيرة القرم عبر جسر مضيق "كيرتش" وموانئ مثل سيفاستوبول والطريق البري من روستوف- أون- دون. يمكن أن يمنح صاروخ "JASSM" أوكرانيا القدرة على ضرب المراكز اللوجستية باستمرار كالموانئ ومستودعات الذخيرة والجسور ومراكز القيادة والسيطرة في عمق شبه جزيرة القرم، في حال وافقت الولايات المتحدة على تزويد أوكرانيا به. كما يمكن أن يشكل "JASSM" بديلا لصاروخ "ATACMS" الذي طلبته أوكرانيا دون جدوى وإضافة نوعية إلى منظومات "Storm Shadow" البريطانية.
إن مسارا طويلا من التدريب مع تحييد الدفاعات الجوية الروسية على الأقل في القطاعات الحرجة، يمكن أوكرانيا من الدفاع عن مجالها الجوي بشكل أفضل، كما يمكنها من القيام بمهام الدعم الجوي القريب (Close Air Support) ضد أرتال الدبابات الروسية، ومرابض المدفعية، وحشود المشاة، والسفن في البحر الأسود.
وفي التحليل النهائي، من غير المرجح أن تتمكن أوكرانيا من نشر طائرات "إف-16" قبل أواخر العام الحالي، فهذه الطائرات ليست بأي حال من الأحوال سلاحا عجيبا من شأنه أن يقلب مسار الحرب، إذ لن تمنح الطائرات الجديدة تفوقا جويا لأوكرانيا، لكنها ستسهل الدفاع عن مجالها الجوي، وإذا تم تزويدها بمنظومات "JASSM"، فإنها ستوفر وسيلة إطلاق مهمة لأسلحة بعيدة المدى قد تُدخل أوروبا في فصل جديد من المواجهة، وقد تجعل وجود القوات الروسية في شبه جزيرة القرم أكثر كلفة. هذا بالإضافة إلى أن ذلك سيؤدي بالقوات الأوكرانية إلى تبني أساليب قتالية أكثر غربية- أو يجبرها على ذلك– وبخلاف كل التقديمات السابقة من الصواريخ المضادة للدبابات والمدفعية والعربات المدرعة والدفاعات الجوية فإن قرار منح أوكرانيا طائرات "إف-16" لا يتعلق فقط بمساعدتها على الصمود في المرحلة المقبلة من الحرب بل يضع جيشها على طريق التعاون بشكل أفضل مع جيوش حلف شمال الأطلسي.
تسليم "إف-16" وعسكرة أوروبا... على وقع فشل الهجوم المضاد
أضحى فشل الهجوم الأوكراني المضاد وتعذر طرد القوات الروسية إلى خارج الحدود حقيقة واضحة للدول الغربية التي تواصل دعمها لكييف. وعلى الرغم من إعلان الرئيس فلوديمير زلينسكي مرات عديدة توسيع الهجوم المضاد وتعديل أهدافه إلا أن التقدم على الأرض بقي محدودا واصطدم بتحصينات روسية عتيدة في الخطوط الدفاعية نجحت بشكل كبير في إحباط محاولات التقدم الأوكراني. وقد عزت القيادة الأوكرانية أسباب الإخفاق إلى عدم تزويدها بطائرات قادرة على تحقيق التوازن مع موسكو في السيطرة على الأجواء الأوكرانية.
وقد بدأت المخاوف الغربية من دخول فصل الشتاء دون تحقيق تقدم ميداني يبنى عليه، مما يطرح تساؤلا كبيرا لدى الغرب حول مستقبل الإصرار على الخيار العسكري ومواصلة الدعم الغربي لكييف. وعلى وقع هذه المعطيات أتى قرار البيت الأبيض في 18 أغسطس/آب الجاري بالموافقة على تزويد الدنمارك وهولندا طائرات من طراز "إف-16" إلى أوكرانيا بعد مفاوضات طويلة، كما كان الحال بالنسبة لدبابات ليوبارد وأنظمة الدفاع الجوي "Patriot" قبل ذلك، وبعد رفض غربي متكرر تجنبا لمزيد من التصعيد مع روسيا.
وقد اعتبر وزير الخارجية الهولندي، وبكيه هوكسترا أن "هذا يمثل علامة بارزة لأوكرانيا للدفاع عن شعبها وبلدها"، كما أدلى وزير الدفاع الدنماركي جاكوب إليمان جنسن بتصريحات مماثلة. وصرّح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن زيارته إلى الدنمارك وهولندا أسفرت عن اتفاق يقضي بأن تتلقى أوكرانيا ما مجموعه 61 طائرة: 42 من هولندا و19 من الدنمارك تُسلم على دفعات، حيث تصل الطائرات الست الأولى بحلول أوائل عام 2024 ثم تتبعها ثماني طائرات أخرى، والخمس المتبقية تتسلمها أوكرانيا عام 2025. ومن المقرر أن يبدأ تحالف يضم 11 عضوا من حلفاء أوكرانيا في الغرب تدريب الطيارين الأوكرانيين في وقت لاحق من الشهر الحالي.
ويبدو أن القرار الأميركي يتجاوز تزويد أوكرانيا بالطائرات نحو توسيع دائرة الحرب وإشراك المزيد من الدول بها. وفي هذا الإطار يمكن قراءة إقدام رومانيا على شراء 32 طائرة من النرويج بـ418 مليون دولار، بالإضافة إلى 17 طائرة أخرى من البرتغال، كما يرجح أن ينتقل برنامج تدريب الطيارين من الدنمارك إلى رومانيا. وفي السياق عينه تتطلع القوات الجوية الهولندية والدنماركية إلى شراء طائرات أكثر تطورا وحداثة بعد تقديم طائراتهما "القديمة" لأوكرانيا.
من غير المرجح أن تتمكن أوكرانيا من نشر طائرات "إف-16" قبل أواخر العام الحالي، فهذه الطائرات ليست بأي حال من الأحوال سلاحا عجيبا من شأنه أن يقلب مسار الحرب، إذ لن تمنح الطائرات الجديدة تفوقا جويا لأوكرانيا، لكنها ستسهل الدفاع عن مجالها الجوي
وربما يمكن أن يضاف إلى المشروع الأميركي لعسكرة أوروبا مصادقة الولايات المتحدة على بيع منظومة الدفاع الصاروخي "Arrow-3"، المصنوعة في إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة، إلى ألمانيا، بقيمة 3.5 مليار دولار، لتكون هذه أكبر صفقة أسلحة في التاريخ الإسرائيلي. هذا وقد نشرت شركات بيع الأسلحة الإسرائيلية الثلاث الأساسية معطيات قبل عدة شهور، كشفت فيها أن طلبات شراء الأسلحة بلغت رقما قياسيا جديدا عام 2022. ويقول بوعاز ليفي، مدير عام الصناعات الجوية الإسرائيلية في هذا الإطار: "إن الدول الأوروبية الصديقة وكذلك البعيدة، تشهد تحولا دراميا في التعاطي مع الأسلحة الإسرائيلية. فبعد أن قررت مضاعفة ميزانياتها العسكرية وإعادة بناء قواتها بأسلوب جديد وحديث، في أعقاب حرب أوكرانيا، وجدت نفسها أمام التحديات الأمنية الإسرائيلية نفسها".
سيناريوهات ومخاطر
يقول وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية: "إنّ حقول الألغام الروسية تشكل تحديات كبيرة وعقبة رئيسة أمام الهجوم الأوكراني المضاد... وأنّ تسليم مقاتلات (إف-16) لأوكرانيا قد يستغرق شهورا". ويضيف مدير العمليات في وزارة الدفاع الأميركية الجنرال دوغلاس سيمس: "إن ضغوط الغرب على كييف قد تؤدي في النهاية إلى انهيار الهجوم وليس نجاحه".
وبالتوازي مع تحذيرات وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بأن الدول الغربية ستواجه "مخاطر هائلة" إذا ما زوّدت أوكرانيا بالطائرات، وأن ذلك سيؤدي إلى تصعيد حدة الصراع، وفي ظل التأكيد على أن حصول كييف على المقاتلات الجديدة لن يؤثر على سير العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حتى تحقق كامل أهدافها، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" تحت عنوان "الخطة الأوكرانية لتنفيذ لهجوم المضاد" ما أوصت به تقارير لمسؤولين أميركيين بتعديل وجهة الهجوم نحو الجنوب ومحاولة الوصول إلى بحر آزوف بعد الفشل في تحقيق أي نجاح باتجاه الشرق، وتقسيم القوات الروسية في الجنوب وقطع الجسر البري الروسي بين موسكو وشبه جزيرة القرم بما يؤدي إلى تهديد الإمدادات العسكرية للجيش الروسي في أقصى الغرب"؛ فهل يشكّل تزويد أوكرانيا بالطائرات الخطوة الأميركية الأولى نحو عسكرة أوروبا وتحويل الحرب في أوكرانيا تدريجيا إلى مواجهة مع الناتو بعد ثبوت عدم جدوى التعزيزات الغربية في تعديل المشهد الميداني؟ وما هي مآلات ونتائج ممارسة المزيد من الضغط الأميركي على كييف لإجبارها على نجاح هجومها بعد أن تصدرت تداعيات الأزمة الأوكرانية المشهد السياسي الأميركي وأضحت القضية الأولى في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟