بعد موسم الفريكة بأسابيع قليلة، تنضج حقول القمح كذهب خالص يعلن عن شيخوخته ورغبته بالموت، شهدتُ كل مراحل تطور الحصاد، أوائل سبعينات القرن الماضي، رأيت ظهور النساء والرجال الذين يحصدون القمح بالمناجل متشقّقة من التعب، وحتى استخدام أحدث أنواع الحصادات في الثمانينات.
بعد اختيار بذار العام المقبل، والقمح المعد لصنع البرغل بأنواعه، يرسل ما تبقى لتسويقه في "الميرا" حصرا حيث تحتكر الدولة تجارة الحبوب.
غالبا يبدأ موسم تحضير البرغل بإعلان جماعي تهبّ فيه القرية بأكملها للاحتفال بهذا الطقس، لطالما كان تحضير المؤن طقسا جمعيا متوارثا عبر آلاف السنين.
ليس موسما لتحضير البرغل فحسب، بل للحب بين شباب القرية وبناتها، تبادل المواعيد والنظرات الحارة، وبهجتنا نحن الأطفال الذين نلتقط الغمزات، ونعمل سعاة بريد شفاهيين، بتحلقنا حول الحلّة الكبيرة التي تُسلق فيها حبات القمح القاسي، بعد "تصويله" على حافة البئر.
النساء ينشلن الماء من البئر، ويُغسل القمح الموضوع بغرابيل مغطّسة في جرن حجري كبير، ثم يُغسل مرة ثانية وثالثة ليصبح نظيفا (مصولا).
تشارك الصبايا المرشحات للزواج من شباب العائلة صاحبة الطقس بهمة ونشاط، وتراقب الجدات كل شيء بصمت، يجلسن على كراسي قريبة من البئر يثرثرن ويراقبن كل شيء، تلتمع عيونهن، ويتبادلن نظرات متفاهمة.