حيفا- تتعرض القضية الفلسطينية، أكثر من أية فترة مضت، إلى خطر التصفية؛ فإسرائيل كحالة استعمار كولونيالي وآبرتهايد آخذه في التعاظم. والقيادة الفلسطينية بكل إمكان وجودها وفصائلها لا تقوم بالمطلوب لتحدي الحالة الإسرائيلية. كما أن الحالة الفلسطينية الداخلية يتعمق تفاقمها وترديها يوميا. والعالم منشغل بقضايا أخرى أكثر أهمية له من القضية الفلسطينية ومستقبلها. والعالم العربي منقسم رسميا وشعبيا في قضايا كثيرة، منها القضية الفلسطينية.
باختصار، نحن أمام وضع من التردي الفلسطيني العام، يتم اختصاره جوهريا ومجازيا في القدس وأوضاعها، والنقاشات الدائرة حاليا بها وحولها حول الانخراط أو عدم الانخراط في الانتخابات البلدية أو في ترتيبات العلاقة مع إسرائيل عموما، وغرب القدس تحديدا. أوضاع تجبرنا كفلسطينيين وعرب ومن يساندنا من المهتمين بالقضية الفلسطينية عموما، والقدس تحديدا، أن نفكر جديا في أفكار واستراتيجيات "خارج الصندوق"، وحتى لا نكون ساكتين عما تشهده القضية الفلسطينية من انقراض كحالة وطنية، واقترابها من التصفية التامة.
الدعم الدولي الذي قُدم ويقدم للقدس والمقدسيين عموما، وللمؤسسات السياسية والاجتماعية، يأتي تحت شعار موجّه واحد: "الدولة الفلسطينية ستقام قريبا، وعلى كل الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967 والقدس ستكون عاصمة دولة فلسطين".
وبعد اتفاق أوسلو ووضع القدس الشرقية كإحدى قضايا الحل الدائم الخمس (اللاجئين، الحدود، المستوطنات الإسرائيلية، الموارد الطبيعية، القدس الشرقية)، توهم البعض أن الأمر أصبح مسألة وقت وأن الموضوع تحت الإنشاء، وقد غذت ذلك بيانات إعلان "الدولة" من قبل القيادة الفلسطينية في رام الله، وقرارات سعت إليها هذه القيادة للحصول على اعتراف بـ"دولة فلسطين"، مما ساهم في تعميق الوهم الفلسطيني والعربي والدولي بأن هنالك دولة وعاصمتها القدس، وبالتالي ساهم الأمر في استراتيجية إسرائيلية تعمل على الأرض، جوهرها الادعاء بأن هنالك كيانا فلسطينيا وليسمه الفلسطينيون "دولة"، وطبعا دون أي وجود للقدس في هذا الكيان عدا في البيانات والخطابات.
الآن، وبعد ثلاثة عقود على توقيع اتفاق المبادئ بين منظمة التحرير وإسرائيل في واشنطن (سبتمبر/أيلول 1993) اتضح نهائيا- وهو واضح قبل ذلك- أن مشروع إقامة دولة فلسطينية كثمرة مسار سلمي بين الطرفين قد انتهى. لقد تبدد هذا المشروع نتيجة لأسباب عدة، أهمها صعود اليمين في إسرائيل وإصراره على التمسك بما يسميه "أرض إسرائيل" كوطن قومي لليهود فقط دون غيرهم، لكن التغييرات في إسرائيل لا تستطيع أن تكون تفسيرا كافيا، إذ يضاف إليها تراجع الحركة الوطنية الفلسطينية وإخفاقها كليا، داخليا وخارجيا، وصولا إلى حد الانقسام والاحتراب الداخلي.