لم تقتنع الشركة المنتجة بهذا القرار وتوجّهت إلى المحكمة معترضة عليه. لذلك من الممكن أن يعود سحب الفيلم من العروض العالمية (وهو لم يعرض بعد في الهند) إلى أنه إذا ما عُرض بالمحذوف منه فلا يعود هناك سبب لدى المحكمة لتجيز عرضه كاملا.
التحفّظ الذي أبدته الرقابة الهندية بالنسبة إلى العنوان، هو أنه ينتمي إلى ما حدث للطائفة من "مذابح" في الأعوام 1746 و1762 و1984، مما يزكّي النعرة الطائفية في البلاد. كذلك الحال بالنسبة إلى المشاهد المحذوفة في حكاية تتمحور حول أحداث العام 1984 عندما انطلقت شرارة جديدة من الاحتجاجات ضدّ قرارات رئيسة الوزراء أنديرا غاندي التي وُصفت بالتعسفية طلبت فيها من الشرطة قمع التظاهرات بكل قوّة. في العام نفسه قام حارسا أمن من السيخ مكلّفان حماية غاندي باغتيالها تأييدا للطائفة التي ينتميان إليها.
الحال أنه لا يمكن تقييم فيلم لم يشاهده أحد سوى أصحابه والمعنيين الرسميين، إنما يُشاع عنه في الإعلام الهندي أنه يثير مخاوف من اندلاع نعرات جديدة بين المسلمين والسيخ تبعا لعقود من الصراع حول هوية تلك المقاطعة الشمالية من الهند وعلى خلفية اختفاء الداعية السيخي جسوانت سينغ خالرا الذي اختطف ولم يعثر عليه إلى اليوم.
لا بد من القول إن هذا الموضوع ليس جديدا على السينما الهندية إذ تداولته بضع مرّات، آخرها عبر فيلم "دارام يود مورشا" من إخراج نارش س. جارج، قدّم الأحداث نفسها في إطار شبه تسجيلي، وسعي السيخ إلى الانفصال بولاية البنجاب على أساس كونهم الأكثرية فيها.
وهذا الأخير لم يشهد عروضا خارج الهند سنة 2016.
عالم سفليّ
أما الفيلم الإيراني "منطقة حرجة" فمسألة مختلفة تماما. المنع في هذه الحالة شمل المخرج علي أحمدزاده الذي توجّه إلى المطار حاملا الدعوة التي تلقاها من مهرجان لوكارنو لحضور عرض فيلمه، لكنه اكتشف أنه ممنوع من السفر.وهذا قبل إعلان لجنة التحكيم في المهرجان السويسري المهم منح "منطقة حرجة" جائزة المهرجان الذهبية والكشف أن المخرج لم يستطع الحضور لتسلم جائزته لأسباب أمنية.
هذا ليس جديدا بل حدث سابقا مع مخرجين إيرانيين آخرين (بينهم محمد رسولوف وجعفر بناهي) حقّقوا أفلاما وبعثوا بها إلى المهرجانات (أحيانا من دون موافقة الرقابة) ثم منعوا من اللحاق بأفلامهم.
بالنسبة إلى فيلم أحمدزاده، لا تختلف أسباب عدم رضا مسؤولي الرقابة عن تلك التي سبقته، وفحواها أن الفيلم لا يعرض الواقع بل يشوّهه. أحيانا يكون السبب المعلن أن المخرج ممنوع في الأساس من مزاولة العمل كما كانت حال جعفر بناهي الذي لم يمنعه قرار المحكمة عدم مزاولة أي نشاط، من توفير بضعة أفلام لمهرجانات فينيسيا وكان وبرلين، من بينها "هذا ليس فيلما" و"تاكسي".
فيلم أحمدزاده دراما اجتماعية حول أمير، الذي يعيش وحيدا مع كلبه الذي يعتبره رفيق حياته. يقود سيارته ليلا في الأزقة والحارات التي لا يجرؤ أحد على دخولها. هو تاجر مخدّرات يعرف كل الأماكن التي تحتاج إليه. لكن الفيلم لا يقدّمه شخصا شريرا، على العكس يصفه كأنه مخلّص يساعد الناس على الهرب من الأوضاع التي يعانون منها. فيلم عن المخدرات والكحول كونهما موازيين للوحدة والألم الاجتماعي في طهران اليوم. لا عجب أن تكون السلطات وضعت المخرج على قائمة الممنوعين من مغادرة البلاد، في ضوء الكمّ من الأسى الذي يتضمّنه الفيلم.
على الرغم من ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن بعض اللقطات المتسرّبة من الفيلم تشي بإيحاءات مثلية قد تكون لعبت دورا في القرار الذي صدر بمنع الفيلم المعني من العرض خارج البلاد.
هل كان قرار منح الفيلم الجائزة الكبرى سياسيا، نكاية بالجمهورية الإسلامية؟ أم أنه سياسي من باب التوجّهات العالمية المشجّعة للمثلية؟ سؤالان وجيهان لكن لا جواب عنهما إلا بمشاهدة الأفلام التي اشتركت في مسابقة هذا المهرجان العتيد والمقارنة بين "منطقة حرجة" وتلك الأفلام الأخرى.
حب ممنوع
في إطار مهرجان فينيسيا الإيطالي، تجرى الاستعدادات للاحتفال بمرور 80 سنة على انطلاق المهرجان الذي أسسه موسوليني ومنع عنه أفلام الحلفاء خلال الحرب، مخصصا عروضه وجوائزه لأفلام المحور الألماني- الإيطالي.
الحرب العالمية الثانية انتهت وكذلك المنهج الذي اعتمد طويلا. اليوم مهرجان فينيسيا يعدّ من أهم مهرجانات العالم وبل يعتبره البعض الهدف الحقيقي لكل من ينشد عروضا فنية غير خاضعة للبهرجة التي يوفّرها مهرجان كان.
الوضع الذي واجهه فينيسيا هذا العام هو احتجاج جهات "الصوابية السياسية" ومن بينها حركة "مي تو" (أنا أيضا) ومن ضمنها جمعيات ترى أن عرض أفلام لمخرجين أو سينمائيين جرى اتهامهم بقضايا جنسية أمر لا يجوز ومن الواجب وضع حدّ له.
في الواقع، لدى المهرجان الإيطالي هذا العام فيلمان ينطبق عليهما هذا الوضع. فيلم وودي آلن "انقلاب حظ" وفيلم رومان بولانسكي "القصر".