ينشغل العراقيون هذه الأيام بالحديث عن تحركات للقوات العسكرية الأميركية في مناطق محددة من العراق. وباتت هذه التحركات حديث البرامج الحوارية السياسية والمدونين ووسائل التواصل الاجتماعي. وتفرق الجميع بين مبشر بمهمة قتالية جديدة للجيش الأميركي هدفها الميليشيات المسلحة، وآخر مستبشر بالتغيير السياسي الجديد الذي يمكن أن يقوم به الأميركيون في العراق. وفريق ثالث، يحاول تكذيب هذه الأخبار أو التقليل من أهميتها.
المهم في هذه السجالات، هو كيف يمكن أن نقرأها كمؤشر على توجه الرأي العام العراقي باتجاه التغيير السياسي؟
المشكلة الرئيسة تكمن في تصور كثير من العراقيين أن إدارات البيت الأبيض يجب أن تتماهى مع رغبات بعض العراقيين، ويعتقدون أن الرئيس الأميركي أو السياسيين الأميركيين ليس لديهم شغل شاغل غير ما يحدث في العراق! وكأن الولايات المتحدة عملت على إسقاط نظام صدام الدكتاتوري من دون حسابات مصلحتها في الشرق الأوسط. لذلك نجد كثيرا من السياسيين وحتى الجمهور يريدون من أميركا أن تعمل على تخليص العراقيين من النظام السياسي الذي أثبت فشله وعجزه عن الاستجابة لتوفير أبسط المتطلبات العامة للمواطنين.
والمأزق الأكثر تعقيدا في البحث عن إجابة لسؤال التغيير السياسي في العراق، يكمن في المخيال السياسي الشعبي عند العراقيين، إذ لا يزال كثير منهم يعوّل على أن تكون أميركا هي المنقذ مرة أخرى! فهم لا يعطون أهمية للانتخابات ولا حتى للاحتجاجات ضدّ طبقة سياسية فاسدة وفاشلة! ويركنون دائما إلى مناقشة الحلول الخارجية الجاهزة، ولا يريدون أن يقتنعوا أن دولة كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية تعمل وفق مبدأ مصالح بلادها أولا وأخيرا. وهي ليست مثل العراق "دولة" بالعنوان فحسب، ومن يتحكم بقرارها السياسي الداخلي والخارجي هو مصالح زعامات تدين بالولاء لمن هو خارج الحدود.
في أيام النظام السابق، كما هو حال العيش في ظل نظام دكتاتوري، لم يكن هناك حتى بصيص أمل في التغيير مِن الداخل، ولم تكن هناك أي خيارات أخرى سوى التدخل الخارجي. لكننا اليوم، رغم أننا نعيش في نظام سياسي هجين، عنوانه ديمقراطي ومضمونه حكم المافيات السياسية، وتداخل السياسة والسلاح، وغياب ملامح الدولة، إلا أنّ كل الطبقة الحاكمة وجبروتها وقوتها تعيش لحظات الخوف عند سماع التحرك نحو احتجاجات أو مظاهرات مطلبية، أو إنها تستشعر الخطر مع كل انتخابات رغم أنها تسيطر على نظامها الانتخابي ومنظومة إدارته. وهذا بحدّ ذاته يجعل خيارات الضغط نحو تغيير نظام الحكم تحت ضغط إرادة الشارع أقوى بكثير مِن فرضية التدخل الخارجي.