عرفت المجتمعات الخليجية التجربة المسرحية بداية من عشرينات القرن العشرين المنصرم، وعلى الرغم من أن المسرح لم يكن معروفا عند العرب الأوائل، لكن الفن القصصي كان متجذّرا وموروثا ومتداولا في الجزيرة العربية منذ ما قبل الإسلام. ويشير د. شوقي ضيف في كتابه "العصر الجاهلي" إلى أن العرب عرفوا الأمثال والقصص وفن السجع، وكان الرواة ينقلون أخبار وحكايات وأساطير الأمم الأخرى.
وعلى شاطئ الأطلسي جاءت حكايات "حي بن يقظان" لابن طفيل، تلك الحكايات التي يرى بعضهم إنها كانت من بين الروافد التي ألهمت الأديب الإيطالي في العصر الوسيط دانتي إليغيري لكتابة "الكوميديا الإلهية"، ثم كانت ترجمة ابن المقفع لكليلة ودمنة التي وَشَتْ عن الفن القصصي والمسرحي في البدايات. لكن الحقيقة أن أهل الجزيرة العربية لم يعرفوا الفن المسرحي، على الرغم من أنه فنٌّ جاء مع اليونان منذ أربعة آلاف سنة، كما كانت هناك عهد الفراعنة عن ممارسة أنماط أوّلية من الفنون المسرحية. إلا أن الشعر، كما هو معروف، كانت له الأولوية الكبرى بين الفنون الممارسة في تلك الحقب.
كما أن الفن المسرحي في العصر الوسيط ملأ ربوع العالم، فمسرحيات شكسبير عملاق الأدب الإنكليزي، لا تزال تمتع جمهوره إلى يومنا هذا. وبدوره قدم المسرح الفرنسي أدبِيّات موليير، لاسيما في مسرحيته "البخيل" التي اقتبسها العرب في بدايات تجاربهم المسرحية الحديثة. ومن روسيا جاءت أعمال بوشكين وتشيخوف وغيرهما لتشي بمقدرة المسرح على عرض مشكلات المجتمع.
أما في الخليج العربي، فيرى بعض المؤرخين أن الكويت أكدت صلتها بالمسرح منذ عام 1938على يد أساتذة قَدِمُوا إليها لتعليم أبنائها، فانبهر التلاميذ بتلك التجربة المثيرة والفريدة، وقدم أبناء مدرسة "المباركية" أول مسرحية لهم عام 1938-1939، حيث عرضوا مسرحية "إسلام عمر". ثم تلت تلك التجربة محاولة أخرى وهي تقديم مسرحية "فتح مصر"، وبعدها محاولة ثالثة عبر تكوين أول فرقة مسرحية عام 1940 بمدرسة الشرقية.
تعود بدايات التجربة المسرحية إلى عام 1935، مع مسرحيات مثل "كسرى والوفد العربي" و"الشاهي والدارسين" و"الأعمى" و"حوار بين العامية والفصحى"
على أن كثيرا من المهتمِّين بتاريخ المسرح يؤكدون أن أول تجربة عرفتها الكويت كانت عام 1922 بمدرسة الأحمدية. وكذلك عرفت الإمارات التجربة المسرحية، حيث سُجِّلَتْ أولى الفعاليات المسرحية في مطلع خمسينات القرن الماضي . وسجلت أولى المسرحيات المتكاملة نصّا وإخراجا عام 1963عندما عرض نادي الفلاح الرياضي والثقافي بالشارقة مسرحية: "من أجل ولدي" من تأليف وإخراج واثق الدايني.
ثم تكوَّنت بعد تلك التجربة الفريدة فرقٌ ومجاميع مسرحية في النوادي وجمعيات الفنون الشعبية، حتى أشْتهِرَت أول فرقة مسرحية مستقلة عام 1972م باسم "المسرح القومي للشباب" بدبي.
أما عن قطر، فقد نشأ المسرح فيها ارتجاليّا، وبعدها تأسس نادي الطليعة عام 1959، وقدّم عدة عروض تمثيلية منها "الفتاش"، و"بين الماضي و الحاضر"، كما قدم نادي كبار الموظفين بعض العروض المسرحية مثل: "عرب فلسطين"، و"نصيحة أب" .
كما برز في الفترة ذاتها المسرح المدرسي، حيث قدمت مدرسة الدوحة عام 1959 مسرحية بعنوان " بلال بن رباح "، وقامت المدرسة بإعداد لمسرحية "تاجر البندقية" لشكسبير، حيث سميت باسم "تاجر البصرة"، وعُرِضَتْ عام 1963.
وفي البحرين، حيث وجدنا أن أول إشارة إلى قيام عروض مسرحية، بحسب دراسات بعض الباحثين البحرينيين، في النصف الأول من القرن العشرين، والذين اتفقوا على أن هذا العرض كان في 1925، وكان عرضا مدرسيّا قدمته مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق وهي أول مدرسة نظامية رسمية افتتحت في البحرين عام 1919، وكان عنوان المسرحية "القاضي بأمر الله"، ولقد صوَّبه الأستاذ والمؤرخ البحريني مبارك الخاطر في كتابه "المسرح التاريخي في البحرين" إلى "قاض بأمر الله".
أما في المملكة العربية السعودية، فتعود بدايات التجربة المسرحية إلى عام 1935، وذلك عندما زار الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود مدينة عنيزة بمنطقة القصيم، حيث حضر فيها مسرحية مدرسية بعنوان "كسرى والوفد العربي"، إلى جانب ثلاث مسرحيات أخرى هي: "الشاهي والدارسين" و"الأعمى"، و"حوار بين العامية والفصحى".
ولكن القضية الجديرة بالدراسة هي مسألة ندرة الكوميديا في المسرح الخليجي بوجه عام، والكوميديا السعودية بوجه خاص، فما يلفت الباحث في تاريخ المسرح الخليجي ندرة هذا النوع خلال فترة سبعينات وثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ولم يبرز على الساحة المسرحية إلَّا عدة مسرحيات في كل بلد على استحياء.
هذا، ولا ينبغي أن نحصر الكوميديا في إطار جلب الضحك، أو مجرد إطلاق "الإفيهات" استرضاء للجمهور، فهناك تجارب مصرية أصيلة غير مترجمة أو منقولة، مثل تجارب ألفريد فرج في مسرحيات مثل "الإسكافي"، وتوفيق الحكيم في "السلطان الحائر" وغيرها، إلا أننا لا نجد مثل هذه النوعية في منطقة الخليج خلال تلك الفترة.
نحن نتهم ما يسمّى "الصحوة" ورجالها الذين مثّلوا "محاكم تفتيش" من نوع خاص على الإبداع السعودي في تلك الفترة، وقد تسبّب أولئك بإطفاء الكثير من الثروات الإبداعية الوطنية
وإذا ما نظرنا للحِرَاك المسرحي خلال السبعينات، فإننا سنعجب ممَّا حدث، فلقد تكوَّن في 1973 كيان رسمي اسمه "الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون" تلك التي تبنَّتها الرئاسة العامة لرعاية الشباب وقتها. فكانت التجربة التي اقتبسها إبراهيم الحمدان عن مسرح موليير، وبالتحديد مسرحية "طبيب رغم أنفه" التي منحها عنوان "طبيب بالمشعاب"، وهي أول مسرحية تمتعت بجماهيرية واسعة. وكان من المنتظر دعم النشاط المسرحي بالمملكة عبر فتح "شعبة الفنون المسرحية" بجامعة الملك سعود بالرياض، ولكن الغريب كان إغلاق هذه الشعبة في 1990، ممَّا سبَّب إحباطا آخر للمسرحيين المتطلعين لحركة مسرحية ناهضة. ونحن نتهم ما يسمّى "الصحوة" ورجالها الذين مثّلوا "محاكم تفتيش" من نوع خاص على الإبداع السعودي في تلك الفترة، وقد تسبّب أولئك بإطفاء الكثير من الثروات الإبداعية الوطنية.
ومع تنازل المسرح عن مكانته تفتقت أذهان المؤلفين من أمثال المسرحيين الذين هجروا المسرح إلى الشاشة ومنهم عبد الله السدحان وناصر القصبي ود. بكر الشدي ومحمد العلي (رحمهما الله) وعبد الإله السناني، وغيرهم، أؤلئك الذين نزعم أنهم لو استمروا في العطاء المسرحي لأوجدوا نهضة مسرحية مبكرة، ولكنهم توقفوا عن المشاركة المسرحية بعد ظهورهم في التلفزيون، ممَّا جعل الجيل المسرحي الصاعد بلا أساتذة، جيل فقد الأكاديمية والخبرة ولا يزال يسير في تجاربه على ما يرتشفه ارتشافا من وسائل الإعلام والكتب المتفرقة.
اليوم، هناك فرصة متجدّدة لكي يحقق المسرح حضوره الراسخ في المملكة. فمع افتتاح أقسام أكاديمية متخصصة وإنشاء هيئة للمسرح والفنون الأدائية في يناير/ كانون الثاني 2020 والتي تسعى جاهدة حثيثة لتشجيع الاستثمار واعتماد برامج تدريبية مهنية بهذا المجال، ثم عقب ذلك تأسيس أول جمعية مهنية سعودية للمسرح والفنون الأدائية في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 برئاسة الفنان القدير ناصر القصبي وعضويات أسماء مهمة في مسيرة المسرح، فإننا على موعدٍ مستقبلي لهذه الخشبة الجماهيرية المؤثرة والهامة.
ثم أخيرا ومع دخول مسرح مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) على خط المسرح، يمكننا التفاؤل بقرب ذلك الموعد المستقبلي المأمول لنهضة مسرحنا السعودي.