نفوذ "بريكس" يتوسع في العالمhttps://www.majalla.com/node/298151/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D9%86%D9%81%D9%88%D8%B0-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%B3-%D9%8A%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85
الرئيس الصيني شي جين بينغ في الجلسة العامة بينما يلقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تصريحاته افتراضيًا خلال قمة "بريكس" في جوهانسبورغ، في 23 أغسطس/آب الماضي
خلال الأيام الثلاثة الماضية، شكل قادة "بريكس" جبهة موحدة في جوهانسبورغ، المركز الاقتصادي لجنوب أفريقيا. فقد نجحوا في تعزيز صوت "عالم الجنوب" من خلال إخبار العالم بأن الدول الناشئة لديها الكثير لتقدمه وأنه آن الأوان لأن تؤخذ على محمل الجد، ولا سيما من قبل الغرب.
استضافت جنوب أفريقيا الحدث للمرة الثالثة، ونظمته بكثير من البذخ ومظاهر الاحتفال. وفرت المقاتلات التي حلقت باستمرار فوق جوهانسبورغ خلال أيام القمة، وإجراءات أمنية كبيرة الحماية لأكثر من 40 رئيس دولة حضروا القمة. ولاقى حدث هذه السنة ترحيباً باعتباره أكبر قمة على الإطلاق تعقدها "بريكس" لاستضافتها عدد كبير من قادة العالم ورجال الأعمال، وجميعهم حريصون على الاستفادة من إمكانات النمو الهائلة المتوفرة لدى المجموعة.
من المتوقع أن تنمو "بريكس" كمنظمة دولية بعد الإعلان عن الدعوات الى توسعة الكتلة طال انتظارها. ابتداء من الأول من يناير/كانون الثاني 2024، يرتقب أن توافق السعودية والإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين كأعضاء في "بريكس". وهي الخطوة الأكبر منذ إنشاء المنظمة في حال وافقت هذه الدول نهائيا على الانضمام، وبالتالي ترمز إلى تشكيل نظام عالمي جديد في ما بين الدول النامية. ويمكن أن تمهد هذه الخطوة الطريق أمام العديد من الدول الأخرى التي أعربت عن رغبتها في الانضمام إلى الكتلة.
وتبنى قادة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا هذا الإعلان التاريخي بالإجماع، إذ أصدر رؤساء الدول الخمسة بيانات تدعم توسعة المجموعة. وقال الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، في معرض ترحيبه بالدول الأعضاء الجدد، انه مع هذه الدعوة التوسعة، قد "يصبح الناتج المحلي الإجمالي لـ'بريكس' يشكل 36 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وسكانها 47 في المئة من سكان العالم". وهذا تطور مهم، كما أن الغرب يلاحظ بالتأكيد الوحدة في التعاون النشط بين اقتصادات الأسواق الناشئة.
مع الدعوات الى توسعة التكتل، قد يصبح الناتج المحلي الإجمالي لـ "بريكس" يشكل 36 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وسكانها 47 في المئة من سكان العالم
الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا
وستلقى إضافة دولتين أفريقيتين ترحيباً من دول القارة، وستُعتبَر إنجازاً كبيراً لرئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا في ترؤسه لـ"بريكس". ذلك أن أثيوبيا طرف اقتصادي فاعل ورئيسي في منطقة شرق أفريقيا وهي تستضيف مقر الاتحاد الأفريقي في عاصمتها أديس أبابا. وتُعَد مصر الاقتصاد الرائد في شمال أفريقيا، وجسراً مهماً بين أفريقيا والشرق الأوسط.
البلدان العربية و"بريكس"
وفي حال نجحت التوسعة مع انضمام دول عربية، لربما ستضم "بريكس" أكثر من 40 في المئة من إنتاج النفط العالمي وأكثر من 30 في المئة من استهلاكه العالمي. وبدأ بعض المحللين بالفعل في التكهن ما إذا كان هذا التطور يمكن أن ينذر ببداية نهاية ما يُسمَّى "البترودولار". وهذا يعني أن الدول المنتجة للنفط قد تضغط باتجاه تسديد عوائد صادرات النفط بعملات أخرى غير الدولار الأميركي، لكن كل ذلك يبقى في اطار التحليل والتكهنات.
وتُعَد عضوية السعودية، أكبر بلد منتج للنفط في العالم وأسرع الاقتصادات نمواً في الشرق الأوسط، وان حصل الانضمام يكون بمثابة نقلة نوعية كبرى تحققها "بريكس"، لتصبح الكتلة طرفاً فاعلاً رئيسياً في قطاع النفط والغاز. ولريما ما جذب المملكة إلى عضوية "بريكس" هي القيم الأساسية المشتركة، التي تشمل التعاون الاقتصادي والسياسي المتبادل، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، واحترام السيادة الوطنية.
وفي حين أن اقتصاد السعودية يشكل الاقتصاد الرئيسي في الشرق الأوسط، إلا أنه لا يزال يعتمد على النفط كقطاع رئيسي. ويوفر التواؤم مع "بريكس" فرصة كبيرة للسعودية للعمل مع اقتصادات متنوعة من أجل تسريع تنمية القطاعات الاقتصادية الأخرى التي من شأنها أن تدفع النمو الاقتصادي المتجدد والمتنوع والمستدام. وتعد التنمية السياحية والرياضية واللوجستية والتجارية والصناعية، ناهيك عن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، من بين المقومات التي خصصتها السعودية في مسيرتها لتحقيق "رؤية 2030".
وكان وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، قد صرح أن السعودية تثمن دعوة مجموعة "بريكس" للانضمام إليها، وهي في معرض دراسة تفاصيل الانضمام قبل الموعد المقترح في مطلع السنة المقبلة، لتتخذ القرار المناسب في هذا الشأن. واعتبر أن "بريكس" قناة مفيدة ومهمة لتعزيز التعاون الاقتصادي.
ويأتي النمو المستمر لـ"بريكس" في وقت يزداد فيه الاستقطاب العالمي والاختلافات الجيوسياسية الصارخة بين القوى العالمية الكبرى. وتُعتبَر الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتوترات بين الولايات المتحدة والصين أبرز الأحداث السياسية الرئيسية اليوم.
ويضيف الأعضاء الجدد مزيداً من النفوذ إلى "بريكس"، في حين يرى التكتل نفسه رائداً من رواد الجنوب العالمي وثقلاً موازناً للغرب.
عملة "بريكس" المشتركة
لم تنسحب الوحدة في توسعة الكتلة، على منتدى أعمال "بريكس"عند مناقشة مسألة إنشاء عملة مشتركة. انخرط قادة الأعمال من العالم النامي في نقاش حاد اتسم بالصراحة حول الجوانب العملية، وكذلك الجوانب غير العملية لاستخدام عملة موحدة لـ"بريكس".
وأجمع المؤتمرون على أن العملة الموحدة قد تكون مرغوبة، إلا أنها غير قابلة للتنفيذ في هذه المرحلة، وسيستغرق تحقيقها وقتاً طويلاً، في ظل وجود عقبات كثيرة. ذلك أن جميع الدول الأعضاء لديها أنظمة نقدية مختلفة، وتملك الصين وروسيا مصرفين مركزيين مملوكين للدولة، في حين أن جنوب أفريقيا والهند والبرازيل لديها مصارف مركزية مستقلة. ولا ترغب الصين وروسيا في التخلي عن السيطرة على مصرفيهما المركزيين من أجل إنشاء عملة جديدة. لذلك، في العديد من النواحي، لا تزال الدول الأعضاء الخمسة متباينة إلى حد كبير من منظور السياسة المالية، ولن يكون الوضع أسهل مع إضافة ستة أعضاء جدد تجلب معها مجموعة كاملة من الاختلافات السياسية والاقتصادية.
في حال نجح انضمام الدول المدعوة الى "بريكس" قد يصبح أكثر من 40 في المئة من إنتاج النفط العالمي وأكثر من 30 في المئة من استهلاكه العالمي
وجاءت المناقشات الأكثر إيجابية حول مسألة إلغاء "الدولرة" من بنك التنمية الجديد، وهو مؤسسة أنشأتها "بريكس" لتقديم قروض في مجال البنية التحتية إلى الدول النامية. ويخطط المصرف الذي يتخذ من شنغهاي مقراً له، والمعروف أيضاً باسم "بنك بريكس"، لزيادة استخدامه العملات المحلية إلى 30 في المئة في تسهيل التجارة والاستثمار.
وفي حين سيظل 70 في المئة من تمويل المصرف مقوماً بالدولار، يُعَد الانتقال إلى العملات المحلية خطوة مهمة في تقليل اعتماد المصرف على العملة الخضراء. ويُعتبَر بنك التنمية الجديد أحد قصص النجاح الرئيسية لـ"بريكس"، فقد قدم قروضا بأكثر من 30 مليار دولار لتمويل مشاريع في العالم النامي، 18 في المئة منها في جنوب أفريقيا.
تُعَد إعلانات القمة الموسعة التي تبناها القادة مؤشراً على المسائل الرئيسية التي تشكل أولوية لـ"بريكس". وتعكس هذه الإعلانات وفق رامافوسا رسائل "بريكس" الرئيسية في شأن مسائل "ذات أهمية اقتصادية ومالية وسياسية عالمية. وهذا يظهر القيم المشتركة والمصالح المشتركة التي تكمن وراء تعاوننا ذي المنفعة المتبادلة".
بالنسبة إلى جنوب أفريقيا، ومن منظور تنظيمي وسياسي، حققت قمة "بريكس" الـ 15 نجاحاً كبيراً، وكان الحدث تاريخياً على صعيد تبني أعضاء جدد وإعادة تشكيل النظام الدولي. ذلك أن اقتصادات الأسواق الناشئة تعمل على التواؤم في منظمة تعمل كصوت سياسي قوي وموحد للجنوب العالمي. ومع إضافة ستة أعضاء جدد، تمثل "بريكس" الآن ما يقرب من نصف سكان العالم، وهذا تطور ضخم من الناحية السياسية، لكن بالنسبة إلى مليارات البشر في الجنوب العالمي، سيكون المقياس الحقيقي لنجاح "بريكس" الازدهار الاقتصادي، وهذا أمر لا يزال ينتظر تحقيقه. وستُقَام القمة المقبلة عام 2024 في مدينة قازان الروسية.