يثير قرار فلاديمير بوتين القاضي بعدم حضور قمة "بريكس" التي تُعقد في جنوب أفريقيا، خشية قيام المحكمة الجنائية الدولية (ICC) باعتقاله، أسئلة حول فعالية المنظمة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها. فمنذ إنشائها عام 2002، مرّت المحكمة الجنائية الدولية بتجارب جيدة وأخرى سيئة.
فمن ناحية، أوفت جزئيا بالتفويض المخول إليها لمحاسبة زعماء العالم على الجرائم الدولية التي ارتكبوها، وقد وجهت الاتهامات لعشرات الأفراد. ولكن في نفس الوقت، واجهت المحكمة الجنائية الدولية معوقات كبيرة، إذ رفض كثير من الدول الانضمام إليها، بما في ذلك الولايات المتحدة. واشتكت كثرة من الحكومات، خاصة في أفريقيا، من المركزية الأوروبية التي تتصف بها المحكمة الجنائية الدولية، نظرا للعدد غير المتناسب من الأفارقة الذين استهدفتهم المحكمة. واشتكى آخرون من أن المحكمة أداة ردع غير فعالة، إذ لم يثنِ شبح قيام المحكمة الجنائية الدولية بالملاحقة القضائية زعماءَ مثلَ بوتين بما فيه الكفاية عن ارتكاب جرائم حرب.
ومع ذلك، وفي الآن ذاته، اختار بوتين عدم زيارة جنوب أفريقيا، فهي دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي من المتوقع أن تساعد المحكمةَ على اعتقال الرئيس الروسي. لم يكن تغيب بوتين مؤكدا، بل إنه بدا في البداية متحمسا للحضور. ووجد الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا نفسه في مأزق، إذ أشار إلى أن "روسيا أوضحت بكل جلاء أن اعتقال رئيسها الحالي سيكون بمنزلة إعلان حرب". ومع ذلك، لم ينجح الضغط الذي مارسته موسكو في نهاية المطاف، بل قوبل بضغط محلي على رامافوزا، بما في ذلك الدعوى التي رفعها الحزب المعارض ضد حكومته للمطالبة بالقبض على بوتين، ما دفع نحو التوصل إلى حل وسط يحضر بموجبه بوتين قمة بريكس عبر الفيديو كونفرانس.
وأشارت هذه الحادثة إلى أن لائحة الاتهام الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية لا تزال تحمل بعض الأهمية. ورغم كل الانتقادات، هل ما زالت هناك حاجة لمحكمة جنائية دولية؟ أم إن معارضيها محقون في زعمهم أنها لا تزال شديدة الارتباط بالسياسة الخارجية الغربية، إذ لا يمكن اعتبارها أكثر من مجرد أداةٍ "مركزية أوروبية"؟
ولادة المحكمة الجنائية الدولية
تعتبرُ المحكمةُ الجنائية الدولية المحكمةَ الدولية الدائمة الوحيدة ذات الاختصاص القضائي لمحاكمة الأفراد على جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم العدوان. وتركز المحكمة الجنائية الدولية بالتحديد على الأفراد المسؤولين عن جرائم في مناطق الصراع على خلاف محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، والتي تتعامل مع النزاعات بين الدول. وعلى الرغم من أنها لم تُنشأ إلا في عام 2002، فإن جذورها تمتد إلى الحربين العالميتين، عندما دعا القادة الكبار القوى المهزومة إلى مواجهة المساءلة عن جرائمها الحربية التي ارتكبتها. وقد أدى ذلك إلى إنشاء محاكم مؤقتة لمحاكمة قادة ألمانيا واليابان الباقين على قيد الحياة بعد الحرب العالمية الثانية في نورنبيرغ وطوكيو على التوالي.