الأرصدة الايرانية في سيول و"ديبلوماسية العزّة"

Shutterstock
Shutterstock

الأرصدة الايرانية في سيول و"ديبلوماسية العزّة"

انعكس خبر الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية في كوريا الجنوبية وإرسالها إلى قطر مقابل الإفراج عن أميركيين محتجزين في إيران بشكل واسع في الصحافة ووسائل الإعلام الإيرانية التابعة للتيارين المتشدد والإصلاحي.

"سماسرة العقوبات خاسرو الدبلوماسية"، هذا عنوان المقال الذي نشرته صحيفة "جام جم" التابعة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الرسمية الإيرانية في عددها الصادر يوم 13 أغسطس/آب. وتساءل أمين صبحي رئيس القسم السياسي وكاتب المقال: "التيار الموالي للغرب الذي ربط تحسين الظروف المعيشية للشعب بالاتفاق النووي، لماذا يشعر بالغضب بسبب الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة؟".

ورأى الكاتب أن الحكومة برئاسة إبراهيم رئيسي "تقود برنامج إصلاحات وقطارا كان معطلا لأي سبب كان خلال السنوات الماضية. وجاء هذا الإنجاز دبلوماسيا هذه المرة ولهذا انضم بعض التيارات إلى خونة الوطن سعيا للتقليل من قيمة إيران المقتدرة. وبالرغم من الضغط على إيران، فقد تم الإفراج عن جزء من الأموال الإيرانية المجمدة في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة وإسرائيل إلى الحد من أنشطة الجمهورية الإسلامية في المنطقة والشرق الأوسط من خلال اتفاقيات أمنية ثنائية".

وفي جزء آخر من المقال المطول يقول أمين صبحي إن "الإفراج عن الأموال المجمدة يدل على أن الولايات المتحدة وحلفاءها تراجعوا بشكل واضح عن دعمهم لمؤيدي الإطاحة بالنظام. كما أن هذه الخطوة تؤكد صحة التحذيرات التي أطلقها المسؤولون (الإيرانيون) للولايات المتحدة ومفادها أن الأميركيين لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم من خلال المراهنة على أعمال الشغب. وهذا ما حصل، حيث إن المسؤولين الأميركيين الذين كانوا يزعمون يوما ما أن المفاوضات النووية لم تعد أولويتهم وأن دعم المحتجين أولويتهم أدركوا أن النظام جبل لا تهزه ريح. وفي النهاية قرر الأميركيون الرجوع إلى طاولة المفاوضات".

Shutterstock

وأضاف الكاتب: "لقد أثارت قضية كيفية الحصول على هذه الأموال من قبل إيران جدلا واسعا، بأن الذين كانوا يدعمون الاتفاق النووي ويسعون لربط الاتفاق النووي بكل شؤون البلاد يحاولون اليوم التقليل من أهمية الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة. ويبدو أنهم نسوا أن الاتفاق بشأن الإفراج عن هذه الأموال لم يؤد إلى إغلاق أجهزة الطرد المركزي وتفكيك البرنامج الصاروخي والتنازل عن المصالح الوطنية".

ولفت أمين صبحي أن "هذا الإنجاز أدى إلى يأس الصهاينة وانزعاج سماسرة العقوبات". ورأى الكاتب أن تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي حول ضرورة عدم الثقة بابتسامة العدو المراوغة هو فصل الخطاب لأن الولايات المتحدة والدول الغربية تسعى لنزع الامتيازات من إيران.

وأردف صبحي قائلا: "بعض المحللين الأميركيين أبدوا قلقهم من بعض التنازلات التي وافق بايدن على تقديمها. وهذا دليل آخر على أهمية الإفراج عن الأموال كما يشير إلى إمكانية فتح قنوات جديدة للمفاوضات والأمل في مستقبل مشرق وكسر العقوبات من خلال الدبلوماسية".

صحيفة "جام جم" التابعة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الرسمية الإيرانية: تم الإفراج عن جزء من الأموال الإيرانية المجمدة في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة وإسرائيل إلى الحد من أنشطة الجمهورية الإسلامية في المنطقة والشرق الأوسط من خلال اتفاقيات أمنية ثنائية

من جهتها، أجرت صحيفة "ستاره صبح" القريبة من الإصلاحيين، حوارا مع الباحث والأستاذ في جامعة بهشتي علي بيكدلي في عددها الصادر يوم 13 أغسطس/آب تمحور حول الدور البناء للمفاوضات المباشرة في الوصول إلى اتفاق محتمل بين إيران والولايات المتحدة. وقال بيكدلي إن "المشاكل بين إيران والولايات المتحدة لا يمكن حلها إلا من خلال مفاوضات مباشرة". 
وأضاف أن الحديث في إيران يدور عادة حول أن الولايات المتحدة لا تفي بوعودها غير أن الدول تتحرك وفق مصالحها الوطنية وأن البقاء والانسحاب من اتفاق ما مرهون بالمصالح الوطنية". 
وأشار بيكدلي إلى أن المسؤولين والإعلام في إيران لم يتحدثوا عن مفاوضات مباشرة بين البلدين غير أن الدبلوماسية الخفية هي أحد الأساليب الرسمية خلال المفاوضات غير العلنية بين الدول وقد تؤدي إلى نتائج إيجابية لأنها بعيدة عن الأضواء والإعلام. ومع ذلك لا يمكن أن نقول إن الدبلوماسية الخفية بين إيران والولايات المتحدة حول إطلاق سراح السجناء مزدوجي الجنسية قد تنسحب على المفاوضات المباشرة بين البلدين؛ لأن "الخطاب المهيمن على مراكز صنع القرار على غرار المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يكون السيد سعيد جليلي (المتشدد) أحد أعضائه هو خطاب مناهض للمفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة". 
وأشار إلى أن "السبب الرئيس وراء فشل المفاوضات حول الاتفاق النووي في الوقت الراهن هو غياب حوار مباشر بين إيران والولايات المتحدة، وأننا لا يمكننا حل مشاكنا العالقة مع الولايات المتحدة إلا من خلال الحوار المباشر لأن التصعيد مع الغرب لا ينفع إيران ولا يمكننا أن نخسر الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك أظن أننا خسرنا الاتحاد الأوروبي. وأن الوساطات بين إيران والولايات المتحدة تهدد مصالح إيران".

ونشرت إذاعة "راديو فردا" المعارضة للنظام الإيراني في خارج البلاد تقريرا تناول أبرز المواقف المنددة للاتفاق بين إيران والولايات المتحدة، وقالت إن تسريب بعض التفاصيل حول الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران حول الإفراج عن الأموال المجمدة في كوريا الجنوبية إزاء إطلاق سراح عدد من مزدوجي الجنسية (إيرانيين/ أميركيين) من السجون الإيرانية أثار جدلا واسعا في الشبكات الاجتماعية. 
واعتبرت وسائل الإعلام المقربة من التيار المحافظ والمتشدد أن الاتفاق مؤشر على "نجاح" دبلوماسية حكومة إبراهيم رئيسي غير أن كيفية حصول إيران على 6 مليارات دولار من أموالها المجمدة في كوريا الجنوبية دفعت كثيرا من الصحافيين والنشطاء السياسيين والنشطاء في الشبكات الاجتماعية إلى اعتبار هذه الصفقة "مذلة". 
وأشار محمد مهاجري الصحافي المحسوب على التيار المحافظ في تغريدة: "هل يعقل أننا وصلنا إلى هذا المستوى من الضعف والمذلة؟"، قائلا إن "حجم الأموال المجمدة في كوريا الجنوبية 7 مليارات دولار فهل تبخر مليار دولار منه؟ يتم دفع المبلغ إلى بنك قطري يشرف على إنفاقه بشكل كامل". 

واعتبر بيجن أشتري المترجم الإيراني على حسابه في "إنستغرام" أن سياسة "خطف الرهائن" التي تعتمدها الجمهورية الإسلامية وصفقة الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية والعراق بقيمة 8 مليارات دولار تشبه برنامج "النفط مقابل الغذاء" في عهد صدام حسين، معتبرا أن "صفقات" إيران حول الإفراج عن المعتقلين الغربيين مقابل الحصول على الأموال "مخزية ومثيرة للمذلة والخجل".
وقالت مریم جمشیدي الصحافية ومديرة وكالة "آنا" للأنباء في تغريدة: "لقد تبخر مليار دولار من الأموال المجمدة التي ادعى السادة أنها 7 مليارات فأصبحت 6 مليارات فقط! لماذا؟ لأن هذا الدين كان بالعملة الوطنية لكوريا الجنوبية (وون) وليس بالدولار. ولقد انخفض المبلغ بسبب انخفاض قيمة العملة الوطنية لكوريا الجنوبية. هذه هي دبلوماسية العزة في حكومة الفشل، المراوحة لمدة عامين حتى الوصول إلى خسارة بقيمة مليار دولار في صفقة واحدة فقط".
 

صحيفة "ستاره صبح" القريبة من الإصلاحيين: المشاكل بين إيران والولايات المتحدة لا يمكن حلها إلا من خلال مفاوضات مباشرة

واعتبرت صحيفة "شهروند" التابعة للهلال الأحمر الإيراني في تقرير منشور يوم 13 أغسطس/آب أن الأميركيين في الأشهر الأخيرة وخاصة بعد الاحتجاجات الإيرانية زعموا أنهم يدعمون الاحتجاجات ولا يجرون مفاوضات مع إيران غير أن الاتفاق الأخير جاء نتيجة المفاوضات غير المباشرة التي استغرقت شهورا في بعض دول المنطقة مما يؤكد كذب مزاعمهم وتراجعهم ويثبت أن الوفد الإيراني له اليد العليا.

Rueters
نواب ايرانيون اثناء جلسة لمجلس الشوري في طهران في 13 اغسطس


وشنت صحيفة "همشهري" التابعة لبلدية طهران في تقرير لها يوم 13 أغسطس/آب هجوما على منتقدي صفقة إطلاق سراح سجناء أميركيين مقابل الإفراج عن أموال إيران المجمدة وقالت: "لقد حاول عدد من الشخصيات والتيارات في الداخل التشكيك في هذا الاتفاق والانفراجة وذلك تماشيا مع الإعلام المناهض للثورة (المعارض في المنفى) من خلال استراتيجية "قلب الحقائق" واعتبار أن الاتفاق الأخير "فشل لدبلوماسية العزة" الإيرانية ولا يؤدي إلى "تحسين الوضع المعيشي للشعب". واللافت أن "هذا الموقف المشترك بين "الصهاينة"، و"التيارات المتشددة في أميركا"، و"مناهضي الثورة"، و"عدد من الشخصيات الإصلاحية" يدل على أنهم منزعجون بل وغاضبون".

ودعت صحيفة "جوان" التابعة للحرس الثوري في مقال لها يوم 13 أغسطس/آب إلى "تلقين كوريا الجنوبية درسا للأجيال القادمة". واعتبر المقال أن "الاتفاق حول الإفراج عن الأموال الإيرانية حصل في وقت كانت كوريا الجنوبية نائمة! مما يدل على حجم تبعيتها للولايات المتحدة وعدم استقلالها السياسي. ولكن هذه لا ينبغي أن تكون النهاية. ينبغي على إيران إطلاق مشروع ثقافي وسياسي عظيم وأن تجعل كوريا الجنوبية درسا للأجيال القادمة وأن تقدم شكوى ضد كوريا الجنوبية في المحافل الدولية لأن كوريا الجنوبية جمدت أموالا كبيرة إيرانية لسنوات، وحان الوقت لإطلاق عملية ثقافية شاملة لمقاطعة السلع والمنتجات الثقافية لكوريا الجنوبية في إيران. يجب على العالم أن يدرك أن من يخون إيران عليه أن يدفع ثمنا باهظا لذلك. الأجهزة والأدوات المنزلية والهواتف الكورية الجنوبية تغزو الأسواق الإيرانية. لكن يجب مقاطعتها لفترة عشر سنوات على الأقل أو فرض ضرائب مرتفعة عليها. يجب على التلفزيون الحكومي الإيراني الكف عن بث المسلسلات الكورية التي يتم اختيارها بسبب الأزياء المحتشمة التي ترتديها النساء فيها. وعلى كوريا الجنوبية أن تدفع ثمنا باهظا لتبعيتها المطلقة للولايات المتحدة".
وأشادت صحيفة "كيهان" بـ"الإفراج عن 6 مليارات دولار دون الاتفاق النووي"، وكذلك "وطن إمروز" التي مدحت: "الإفراج عن 6 مليارات دولار من احتياطي البلاد من العملة الأجنبية دون تنازلات نووية".
وقد تناولت صحيفة "شرق" الإصلاحية في تقرير حمل عنوان "الاتفاق في الأيام الصعبة" يوم 12 أغسطس/آب الأبعاد المختلفة للاتفاق. وقال الخبير في الشؤون الدولية سعيد محمد وند في حوار مع صحيفة "شرق" بأن "النظام وصل إلى نتيجة بأنه يجب الوصول إلى هذا الاتفاق من أجل تجاوز المشاكل الداخلية وذلك في ضوء الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية الخانقة في أعتاب انتخابات مجلس الشورى واقتراب الذكرى السنوية الأولى للأحداث التي جرت العام الماضي". يقصد الكاتب انتفاضة "المرأة- الحياة- الحرية" التي اندلعت بعد مقتل مهسا أميني في مقر "شرطة الأخلاق" في طهران شهر سبتمبر/أيلول 2022.
 

font change

مقالات ذات صلة