منذ سنوات طويلة والناس يتناقلون قصة طريفة عن الزعيم المصري سعد زغلول، أنه وفي يوم وفاته يوم 23 أغسطس/آب 1927، نظر بحسرة إلى حالة الأمة وقال لزوجته: "مفيش فايدة يا صفيّة، غطيني"!.
القصة جميلة ولكنّها محرفة، مثل كثير من القصص التي يتم تناقلها عن زعماء الوطن العربي، ولعل الرواية الأقرب إلى الواقع جاءت على لسان الصحافي المصري كريم ثابت عندما دخل منزل سعد زغلول، أو بيت الأمّة المصرية، في أغسطس/آب 1929، بعد سنتين من وفاة زغلول، ووضع كتابا بعنوان: "سعد في حياته الخاصة"، مبنيا على شهادات من المحيطين بزغلول في ساعاته الأخيرة.
يقول ثابت، الذي أصبح مستشارا للملك فاروق في سنوات لاحقة، إن الباشا كان متخوفا من اقتراب الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وهي التي اشتد عليه المرض فيها قبل يوم واحد من وفاته:
"ولما قربت الساعة الثانية عشرة خشيت أم المصريين إذا أزفت الساعة الواحدة واشتد المرض على سعد أن يؤثر وهمه في مرضه تأثيرا سيئا فتناولت ساعته خفية وأدارتها وجعلتها الثالثة بدلا من الثانية عشرة. وفي الساعة الواحدة تماما اشتد المرض على الفقيد العظيم وارتفعت الحرارة وتناول ساعته وحدق فيها قليلا ثم مر على وجهه بكفه وقال: أنا لا أزال أملك حواسي ومن المحال أن تكون الساعة الثالثة الآن. أدرك سعد الحقيقة وأخذ يتمتم: "أنا رايح". فقالت له صفيّة هانم: "وهل تحب أن أجيئ معك؟". فتطلع إليها وأمسك بيدها وقال: "خليك أنت".
علاقته بالشيخ محمد عبده وثورة أحمد عرابي باشا
كان سعد زغلول أحد أبرز وأشهر السياسيين المصريين في الربع الأول من القرن العشرين، ولد سنة 1858م في قرية أبيانة على شاطئ النيل الغربي (محافظة كفر الشيخ اليوم)، وكان والده إبراهيم شيخ القرية، يملك أراضي زراعية واسعة وخصبة. درس زغلول في الكتّاب وانتقل إلى بلدة دسوق القريبة لإتقان التجويد ثم أكمل دراسته في الأزهر بالقاهرة سنة 1873م، إضافة لنيله شهادة الليسانس في الحقوق. وفي القاهرة لازم الشيخ جمال الدين الأفغاني، أحد مجددي وفقهاء عصره، والذي عرفه على تلميذه الشيخ محمد عبده، المسؤول يومها عن رئاسة تحرير جريدة "الوقائع المصرية". فتن زغلول ببلاغة محمد عبده وفصاحته، وأصبح من مريديه، لا يخاطبه إلا بعبارة "ابنك" أو "تابعك". عُيّن كاتبا في الوقائع المصرية ولشدة تأثره بعبده، قرر زغلول الاكتفاء بملازمته ولم يكمل دراسته بالأزهر.