سعت مجموعة "بريكس" منذ البداية الى الحد من اعتمادها على الدولار الأميركي من خلال التوجه إلى استخدام العملات الوطنية في معاملاتها البينية، خصوصا في ظل توافر مستوى مرتفع من التنوع الإنتاجي، مما يخفض تكاليف الاستثمار، وكذلك في معاملاتها المالية الدولية، تحضيرا لاعتماد عملة مشتركة تكون منافسا أو حتى بديلا من الدولار في حال النجاح في استقطاب اقتصادات وازنة، مثل المملكة العربية السعودية وإيران، مما يحول "بريكس" الى المجموعة الاقتصادية الأكبر حجما ونفوذا.
يرى البعض أن احتمال نجاح "بريكس" في الانعتاق من الدولرة، أكبر من كل التجارب السابقة، فدول المجموعة حققت في العام المنصرم فائضا في ميزان المدفوعات المشترك، خلافا لدول مجموعة السبع (G7) التي سجلت تراجعا في حجم الناتج المحلي الإجمالي. وفي حال حافظت دول "بريكس" على وحدتها وأفلحت في ضم اقتصادات كبرى، عندها سنشهد تغييرا للمشهد الدولي برمته من الناحية الجيوسياسية، هو الأشد مقارنة بما شهدته العقود السابقة.
ويؤكد جوزف سوليفان، المستشار الاقتصادي السابق في البيت الأبيض، أن دول "بريكس" ستكون مؤهلة لتحقيق مستوى من الاكتفاء الذاتي في التجارة الدولية استعصى على اتحادات العملات الأخرى، مثل منطقة اليورو، بسبب التنوع الجغرافي لأعضائها واتساع نطاق السلع والخدمات المتبادلة.
نظام الدفع ومعوقاته
أهم التحديات في هذا المجال، هو تطوير نظام دفع متكامل يشبك أنظمة دفع دول المجموعة من دون الحاجة إلى تحويل العملة المحلية إلى دولار. وسيتعزز الأمر عندما تصدر المصارف المركزية لهذه الدول العملات الرقمية.
المستفيد الأول في هذه المرحلة هو الرينمينبي (اليوان الصيني)، الذي برز دوره بصورة واضحة خلال العام المنصرم، خصوصا بعد التوافق في أول قمة ضمت دول مجلس التعاون الخليجي والصين، باستخدامه في تجارة النفط والغاز. وكانت الصين قد أسست “بورصة الطاقة الدولية” في شنغهاي منذ عام 2018 لتداول عقود شحنات النفط بعملتها حصريا.
وسيقتصر استخدام العملة المشتركة في بداية إصدارها بين أعضاء المجموعة، على التجارة الإقليمية والقضايا التشغيلية، ومن ثم يوسع استخدامها تدريجيا إلى جمهور أوسع في الخارج، كما حصل مع بداية إصدار اليورو. ويتوقع تركيز التعامل بالعملة الجديدة من قبل نحو 40 في المئة من سكان الأرض، مما يدفع إلى تكوين عالم متعدد الأقطاب نقديا، تتنافس فيه عملة "بريكس" مع الدولار والعملات الدولية الأخرى، مثل اليورو والباوند والين وغيرها.