لا يبدو أن أزمة السودان ستنتهي قريبا، فمنذ أبريل/نيسان، يحارب الجيش السوداني وخصومه في قوات الدعم السريع في جميع أنحاء الدولة الواقعة في شرق أفريقيا، ما دفع أكثر من 2.4 مليون شخص إلى النزوح من بيوتهم وتحولت مناطق كاملة في العاصمة الخرطوم إلى ركام. ولم يألُ المجتمع الدولي جهدا للتوسط في الصراع المتنامي، فعملت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة معا للتوسط، عبر محادثات جدة، في كثير من عمليات وقف إطلاق النار، التي لم تتوّج بالنجاح في نهاية المطاف. وعرضت الهيئة الإقليمية في شرق أفريقيا، أي الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد)، بالمثل التوسط ونشر قوات حفظ السلام، بينما استضافت مصر مؤخرا قمة أخرى لجيران السودان لاستكشاف خيارات السلام.
على الرغم من أن هذه الجهود قد أحرزت بعض التقدم حتى الآن، إلا أن الغريب في كل ذلك هو غياب المشاركة البريطانية، ولا سيما أن بريطانيا هي الحاكم الاستعماري السابق ذو العلاقات التاريخية العميقة وهي حامل القلم الحالي للسودان في الأمم المتحدة، إضافة إلى كونها المسؤولة عن قيادة المفاوضات وصياغة القرارات في مجلس الأمن. وفوق هذا وذاك، كانت بريطانيا أحد أكثر الفاعلين الخارجيين انخراطا في السودان منذ الإطاحة بعمر البشير عام 2019، وهي عضو في "الرباعية" غير الرسمية المؤثرة إلى جانب الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. كما اقترحت لندن في المراجعة المتكاملة للأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية في مارس/آذار من عام 2021 أن شرق أفريقيا منطقة يمكن للمملكة المتحدة أن تزيد من مشاركتها فيها، وذلك ضمن خطتها "بريطانيا العالمية"، التي أطلقتها بعد مغادرتها الاتحاد الأوروبي.
لكن على الرغم من هذه الطموحات جميعها ومركزها القوي الذي يسمح لها بالمشاركة، بقيت لندن هادئة نسبيا منذ بدء القتال في أبريل/نيسان، ولم يتعدّ تركيزها الأول أبعد من إجلاء المدنيين، وهي مهمة نظر إليها الكثيرون كمهمة غير فعالة. ومع ذلك، لم يكن للوزراء البريطانيين، منذ ذلك الحين، أي مشاركة تذكر.
مصلحة طويلة الأمد
لبريطانيا مصالح قديمة في السودان؛ فنتيجة لفترة حكمها الاستعماري، يوجد في المملكة المتحدة جالية سودانية كبيرة تربو على 20 ألف نسمة. وقد حكمت بريطانيا ما أصبح السودان في الفترة من 1899-1956، نظريا مع المصريين، ولكن مع تمتع لندن بالسيطرة الفعلية. وبعد الاستقلال، آثر السودانيون أن لا ينضموا إلى الكومنولث، أسوة بمصر والعراق وأجزاء أخرى من العالم العربي التي احتلتها بريطانيا. ومع ذلك فقد احتفظت لندن بمصالحها التجارية والدبلوماسية. ونما نفوذ المملكة المتحدة مع انتهاء الحرب الأهلية الثانية في السودان، حين لعبت بريطانيا دورا رائدا كعضو في "الترويكا"، جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة والنرويج، في المساعدة على التوسط في اتفاقية السلام الشامل لعام 2004 (CPA) التي أنهت الحرب ومهدت الطريق لاستقلال جنوب السودان.
وفي السنوات التي سبقت انفصال جنوب السودان عام 2011، طورت لندن دورا مؤثرا؛ ووفقا لتقرير صدر عام 2023 عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI)، كانت الحكومة السودانية تعتبر المملكة المتحدة قوة أكثر اعتدالا وقادرة على التأثير على الولايات المتحدة، التي كانت أكثر تعاطفا مع جوبا من الخرطوم. وفي المقابل، كانت لندن برغماتية، وإن لم تكن صديقة لعمر البشير، الديكتاتور الذي حكم السودان من 1989 إلى 2019. وقد أدانت المملكة المتحدة الإبادة الجماعية المزعومة في دارفور وأيدت لوائح الاتهام الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير وشخصيات بارزة أخرى في النظام.
لكن في الوقت نفسه، رأت بريطانيا أهمية الحفاظ على استقرار السودان في أعقاب انفصال جنوب السودان، وكانت الجهة المانحة الرئيسة لفريق تنفيذ الاتحاد الأفريقي رفيع المستوى بشأن السودان (AUHIP).