أكد تنظيم داعش في رسالة صوتية حديثة رسميا وفاة زعيمه الرابع، أبو الحسين الحسيني القرشي، في شمال سوريا. وبينما لم يكن الإعلان بحد ذاته مفاجئا، نظرا لتداول تقارير عن وفاته منذ شهر أبريل/نيسان، إلا أن قيام التنظيم بتوجيه أصابع الاتهام وتحميل المسؤولية عن مقتل زعيمه هو ما جذب الانتباه.
ونفى داعش نفيا قاطعا المزاعم التركية السابقة واعتبرها مجرد أكاذيب وخدع. وبدلا من ذلك، أشار التنظيم المتطرف بأصابع الاتهام نحو منافسه الرئيس، هيئة تحرير الشام، متهما إياها بتدبير الاغتيال وتسليم الزعيم المقتول إلى تركيا فيما بعد.
ووفقا لـداعش، كانت هذه محاولة من قبل هيئة تحرير الشام لكسب رضا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتعزيز آفاقه الانتخابية في انتخابات مايو/أيار الماضي.
زادت ردود فعل هيئة تحرير الشام على الاتهام، الوضع تعقيدا. فعلى الرغم من مكافحتها الفعالة لـداعش داخل المناطق التي تسيطر عليها، نفت الهيئة بإصرار أي تورط في الحادث. ويثير هذا الإنكار تساؤلات حول قرارها بعدم إعلان مسؤوليتها عما يبدو أنه انتصار كبير أتاها على طبق من فضة؛ إذ يبدو أن الدافع الأساسي لهيئة تحرير الشام يتمحور حول تجنب الانقسامات الداخلية المحتملة ومنع الهجمات الانتقامية ضمن المناطق التي تسيطر عليها، نتيجة لاتهامات داعش.
ظهرت أنباء وفاة زعيم داعش مساء 30 أبريل/نيسان، عندما أعلن الرئيس أردوغان أن المخابرات التركية حيّدت زعيم التنظيم. وكان أُعلن في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عن صعود أبو الحسين إلى القيادة، ما يجعله ثالث شخص ينصّب نفسه كخليفة يلقى حتفه في أقل من عامين.
نفى داعش نفيا قاطعا المزاعم التركية السابقة واعتبرها مجرد أكاذيب وخدع. وبدلا من ذلك، أشار التنظيم المتطرف بأصابع الاتهام نحو منافسه الرئيس، "هيئة تحرير الشام، متهما إياها بتدبير الاغتيال وتسليم الزعيم المقتول إلى تركيا فيما بعد
عند الإعلان عن الخبر، سارع أنصار داعش على الإنترنت إلى دحضه باعتباره مناورة سياسية من قبل أردوغان في الفترة التي سبقت الانتخابات. وفي الوقت نفسه، اختار التنظيم استراتيجية متعمدة من التعتيم حول هذه المسألة. ولاحقا فقط، قررت المجموعة كسر هذا الصمت والحديث عن القضية بشكل علني. جاء ذلك عبر رسالة صوتية مدتها ثلاثون دقيقة سجلها في 3 أغسطس/آب أبو حذيفة الأنصاري، الناطق باسم التنظيم والمعيّن حديثا.
في هذا التسجيل، أوضح الأنصاري أن أبو الحسين لقي حتفه بعد مواجهة مسلحة مباشرة مع من سماهم وكلاء جهاز المخابرات التركي في محافظة إدلب. وأشارت هذه الرواية ضمنيا إلى تورط هيئة تحرير الشام في القضية. وأكد بيان داعش أيضا أن هيئة تحرير الشام قدمت جثمان زعيمها كتأكيد على الولاء ولتقديم انتصار لأردوغان في حملته الانتخابية.
علاوة على ذلك، أكدت رسالة داعش على أن المتحدث باسمه، أبو عمر المهاجر، اعتُقل لاحقا في نفس المنطقة من قبل هيئة تحرير الشام. وأيضا، اعتُقلت نساء مرتبطات بقيادة داعش، وتعرضن للضغط للكشف عن الأسرار، كما هو مفصل في رسالة داعش.
استجابت هيئة تحرير الشام بسرعة للاتهامات الموجهة من قبل التنظيم ووضحت موقفها؛ إذ أصدر ضياء العمر، زعيم إحدى القوى الأمنية التابعة للهيئة، بيانا في 4 أغسطس/آب نافيا بشدة مزاعم داعش. وأكد العمر بقوة على أنه "إذا كان خليفة داعش قد لقي مصرعه فعلا على يدينا، كما يزعم التنظيم، فإننا كنا سنشارك هذا الخبر فورا مع المجتمع الإسلامي".
تميز رد هيئة تحرير الشام بالدقة في التعابير؛ فبينما تؤكد المنظمة بحزم على موقفها الثابت ضد داعش، فإنها تنأى بنفسها بحذر عن أي تلميح لتورطها في العملية التي تُوجت بمقتل زعيم داعش. حيث يبدو أن الدافع وراء إصدار هذا الرد المحسوب بعناية يتجذر في العواقب المحتملة لعدم تبديد أي تلميحات للتواطؤ بشكل نهائي.
يتمحور أبرز المخاطر التي تواجهها هيئة تحرير الشام حول تعاونها المزعوم مع المخابرات التركية. فقد كانت علاقة هيئة تحرير الشام بتركيا مثيرة للجدل منذ أن سمحت الجماعة للقوات التركية بالوصول إلى مناطق محددة في عام 2017. وأدت هذه الخطوة إلى انقسام كبير بين أتباعها وبين المجتمع السلفي الجهادي الأوسع، الذي يعتبر تركيا كافرة. واعتبرت "القاعدة" الأشخاص الذين يقاتلون إلى جانب الجيش التركي المرتد الكافر ضد المسلمين الآخرين مرتدين وكفارا أيضا.
استجابت هيئة تحرير الشام بسرعة للاتهامات الموجهة من قبل التنظيم ووضحت موقفها؛ إذ أصدر ضياء العمر، زعيم إحدى القوى الأمنية التابعة للهيئة، بيانا في 4 أغسطس/آب نافيا بشدة مزاعم داعش
رد مجلس شورى هيئة تحرير الشام بأن وجود الجيش التركي ضروري للحفاظ على الجهاد وحماية الشعب السوري. في محاولة لإضفاء فارق بسيط إلى موقفها، رسمت هيئة تحرير الشام حدودا واضحة من خلال التأكيد على رفضها الامتثال لتوجيهات الجيش التركي أو الانخراط في قتل إخوانهم المسلمين الآخرين. وبالتالي، فإن اتهام هيئة تحرير الشام بأنها تخضع للمخابرات التركية يحمل في طياته إمكانية التحريض على انقسامات داخلية وتقويض مصداقيتها داخليا وخارجيا. وعلى خلفية محاولات تركيا المستمرة لتطبيع العلاقات مع الأسد، تصبح هذه العلاقة أكثر إثارة للجدل.
خطر آخر يكمن في إمكانية قيام تنظيم داعش بتنفيذ أنشطة انتقامية ردا على مقتل زعيمه. ففي حين أن العداء والاشتباكات السابقة حددت شكل العلاقة بين الجماعتين، لم تكن محاربة هيئة تحرير الشام الهدف الرئيس لدى داعش. ويظهر هذا جليا في العدد المنخفض نسبيا للهجمات التي يقوم بها تنظيم داعش في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، في تناقض صارخ مع نشاطه في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري أو الإدارة الذاتية. وبالتالي، فإن اتهامات داعش لـ"هيئة تحرير الشام تهدد بتقويض هذا التوازن، وتدفع بالتالي نحو هجمات انتقامية تتسق مع نمط الهجمات الانتقامية الذي يميز داعش.
الوقت وحده كفيل بإظهار ما إذا كان الرد المحسوب تكتيكيا لهيئة تحرير الشام سيمكنها من تجاوز الفخاخ المعقدة التي نصبها تنظيم داعش، والذي سعى بعناية للاستفادة من مقتل زعيمه لتحقيق ما فشل في تحقيقه خلال فترة حكمه القصيرة.