عندما حققت حركة طالبان هدفها في السيطرة على أفغانستان قبل عامين، كان البعض يأمل في أن يتبنى النظام الجديد موقفا أكثر اعتدالا من النظام المتطرف الذي أدار البلاد في فترة حكم طالبان الأولى في التسعينات عندما أدان العالم تلك الإدارة بشدة لانتهاجها أسلوبا قمعيا، فحجب النساء في منازلهن وحرمهن من التعليم، وفرض على مخالفي صيغته من قوانين الشريعة الإسلامية عقوبات قاسية.
لذلك ساد شعور واسع بالارتياح في جميع أنحاء البلاد، عندما أُقصيت طالبان من السلطة بعد التدخل العسكري الذي قادته الولايات المتحدة بعيد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001؛ إذ تدخلت إدارة بوش بعد اتهام قادة طالبان بتوفير ملاذ آمن لمنفذي الهجمات الذين ينتمون لتنظيم "القاعدة".
لقد استفاد الأفغان على مدى العقدين التاليين من نظام حكم أكثر ليبرالية، حيث تولت النساء عددا من المناصب البارزة، على الرغم من أن البلاد كانت تعاني من أسوأ فترات العنف في تاريخها، بسبب شنّ طالبان حملة عنيفة ضد قوات التحالف التي كانت تقودها الولايات المتحدة.
وأسفرت حملة طالبان في نهاية المطاف عن إقناع القادة الغربيين ببدء مفاوضات لحل الصراع، وتمكنت قيادة طالبان من إقناع الغرب بأنها ستتبنى نهجا أكثر اعتدالا في إدارة الدولة إن هي تولت زمام السلطة. ولكن ما إن استولت طالبان على السلطة في أغسطس/آب 2021، حتى أوضحت بكل جلاء أنّها غير مهتمة في الحقيقة بتشكيل إدارة أكثر شمولا، بعد أن سحبت إدارة الرئيس بايدن القوات الأميركية من البلاد، في خطوة أثارت الكثير من الانتقاد.
وبإعلان تشكيل "الإمارة الإسلامية"، نجحت طالبان في تشكيل حكومة جديدة مكونةٍ بالكامل من الرجال، وتضمنت عددا من الشخصيات البارزة في طالبان من الذين لعبوا دورا رئيسا في شن هجمات ضد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة على مدى عقدين من الزمن. وقد قادها الملا محمد حسن أخوند، أحد مؤسسي الحركة، والمُدرج على القائمة السوداء للأمم المتحدة، وشملت الإدارة الجديدة أيضا سراج الدين حقاني، زعيم جماعة حقاني المتطرفة، والذي يتصدر قائمة المطلوبين لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، والذي عُين وزيرا للداخلية.
ونتيجة لذلك، وبينما تحتفل حركة طالبان بالذكرى السنوية الثانية لعودتها إلى السلطة من خلال مسيرات النصر والمناسبات التي تقام في العاصمة كابول، فإن كثيرا من الأفغان العاديين يشعرون بأنْ ليس لديهم الكثير ليحتفلوا به، ولا سيما النساء في أنحاء البلاد اللواتي شهدن تراجع الحريات التي كنّ يتمتعن بها تدريجيا خلال العقدين اللذين لم تتول فيهما طالبان مقاليد السلطة.
ساد شعور بالارتياح في جميع أنحاء البلاد، عندما أُقصيت طالبان من السلطة بعد التدخل العسكري الذي قادته الولايات المتحدة بعيد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001
إنّ معاملة طالبان للمرأة الأفغانية خلال العامين الماضيين المنصرمين، أي منذ فرار الرئيس أشرف غني من البلاد، وهو الذي كان مدعوما من الولايات المتحدة، تبدو في حالةٍ من التناقض الصارخ مع الوعود التي قطعتها على نفسها عندما استولت على السلطة في البلاد.
وفي ذلك الوقت، أعلن المتحدث باسم الحركة خلال مؤتمرها الصحافي الأول الذي عقدته بعد استيلائها على السلطة في 15 أغسطس/آب 2021: "سنسمح للنساء بالدراسة والعمل من دون تأطيرهن بإطار عملنا. وستكون النساء في غاية النشاط في مجتمعنا".
وبدلا من ذلك، فإن النقيض على ما يبدو هو الذي حدث فعلا، إذ قامت طالبان بفرض حملة قمع وطنية على حقوق المرأة، وهو الأمر الذي أدى إلى منع الفتيات المراهقات من الذهاب إلى المدرسة، وإصدار أوامر للموظفات في المكاتب الحكومية بالبقاء في منازلهن. وتشمل القيود الأخرى المفروضة على الأفغانيات منع معظم الموظفات الأفغانيات من العمل في وكالات الإغاثة، وإغلاق صالونات التجميل، وعدم السماح للنساء بالسفر في ظل غيابِ وصيٍ ذكر.
كما قالت أمينة محمد، نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، في بيان بمناسبة الذكرى الثانية لاستيلاء طالبان على السلطة: "لقد مرَّ عامان على استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان. إنهما عامان قلبا حياة النساء والفتيات الأفغانيات، وحقوقهن، ومستقبلهن رأسا على عقب".
وعلى الرغم من الانتقادات الواسعة التي لاقتها هذه الإجراءات، وهو الأمرُ الذي دفع كثيرا من المانحين الدوليين إلى وقف التمويل، فإن حركة طالبان على ما يبدو ليست نادمةً، بل تفضل التركيز على نجاحها في العودة إلى السلطة.
تشمل القيود المفروضة على الأفغانيات منع معظم الموظفات الأفغانيات من العمل في وكالات الإغاثة، وإغلاق صالونات التجميل، وعدم السماح للنساء بالسفر في ظل غيابِ وصيٍ ذكر
وقال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد في تصريح أدلى به "في الذكرى الثانية لغزو كابول: نود تهنئة الأمة المجاهدة في أفغانستان ونطلب منها أن تحمد الله تعالى على هذا النصر العظيم".
يُهدد نهج طالبان الذي لا هوادة فيه، وخاصة فيما يتعلق بقضية حقوق المرأة، بتقويض جهودها لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في بلد عانى من عقود من الصراع، والذي يعود تاريخه إلى زمن غزو الاتحاد السوفياتي للبلاد الذي حدث عام 1979.
تَعتبِر حكومات غربية كثيرة ووكالات الإغاثة الإجراءات القمعية التي اتخذتها حركة طالبان عقبةً رئيسةً أمام أي أمل في الاعتراف الرسمي بإدارة طالبان، وقد ردّت على ذلك بتخفيض أو تجميد برامج المساعدة، الأمرُ الذي أدى إلى نتائج كارثية على سكان البلاد الذين يقدر عددهم بنحو 40 مليون نسمة.
قدر تقرير حديث صادرٌ عن مجموعة الأزمة (Crisis Group) أن حوالي 28 مليون أفغاني– أي ما يعادل ثلثي السكان– بحاجة إلى مساعدات إنسانية، في حين تقدر الأمم المتحدة أن البلد بحاجة إلى 4.6 مليار دولار من المساعدات، وهو أكبر طلب تُقدمه دولة لمرة واحدة.
ولكن مع إظهار طالبان القليل من الميل لتغيير نهجها، فإن احتمال زيادة المانحين الغربيين لدعمهم لكابول يبدو أمرا بعيد المنال، لا سيما بعد أن خلُص الاجتماع الأخير لقادة مجموعة السبع إلى أنه في أثر القيود التي فرضتها طالبان على الحريات الأساسية للمرأة، ستكون هناك "عواقب لكيفية تعامل بلداننا مع طالبان".
تُجادل طالبان في دفاعها بأنها أحرزت تقدما ملموسا في معالجة الفساد المستشري الذي حدث عندما كانت الحكومة المدعومة من الغرب تُدير زمام الأمور في كابول.
وهناك أيضا دلائل على أن الحظر الذي فرضته طالبان على زراعة المخدرات قد أدى إلى انخفاض كبير في إنتاج الخشخاش في بلد كان يعتبر أكبر مصدر للأفيون في العالم على مدى سنوات طويلة.
ولكن إذا كانت حركة طالبان جادة في جعل أفغانستان دولة مستقرة حقا، فسوف تحتاج إلى القيام بالتغييرات اللازمة لإقناع المانحين الأجانب بتقديم أموال المساعدات التي هي في أمس الحاجة إليها.