أشار انضمام مكوّن يميني شعبوي ومعاد للمهاجرين إلى الحكومة الفنلندية في يونيو/حزيران الماضي- قبل عام واحد من الانتخابات الأوروبية- إلى أن صعود التشكيلات الشعبوية في شمال أوروبا أحدث شبه تجانس مع باقي أقسام القارة التي تشهد الصعود نفسه، من السويد إلى إيطاليا التي تبوأت فيها جورجيا ميلوني رئاسة الحكومة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، والنجاح الانتخابي لحزب “فوكس” الإسباني في الانتخابات الإقليمية الأخيرة.
بالفعل، إذا جال المرء حاليا بنظره في أوروبا، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، سيلاحظ صعود أحزاب يمينية متطرفة بصيغ مختلفة، فهناك أحزاب قومية متعطشة لأمجاد الماضي، وأخرى قومية شعبوية، وكذلك محافظة متشددة ذات جذور فاشية، وغيرها من الأحزاب المتطرفة التي باتت تحظى بشعبية لا يستهان بها.
لذا لا بد من الإحاطة بهذه الظاهرة من كل جوانبها والتطرق إلى مسارات نشأتها وصعودها، كما إلى تداعياتها المحتملة على مشهد أوروبي يهتز تحت وقع الاضطراب العالمي.
جذور الظاهرة
يعود صعود اليمين المتطرف ووصوله إلى مراكز القرار في أكثر من بلد أوروبي لعدة أسباب، أبرزها: البعد التاريخي لصعود الفاشية والنازية وأخواتهما في القرن الماضي، والأزمات الاجتماعية والاقتصادية وانعكاسات الهجرة ونزعات الانطواء العنصرية والشعبوية والإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام) والخلط بين الإسلام والإرهاب. وهناك أيضا البعد الثقافي مع رفض الآخر ورفض الاعتراف بالتعددية الدينية والثقافية.
يمكننا أن نضيف إلى قائمة الأسباب والدوافع لهذا الصعود انعكاسات حرب أوكرانيا على أوروبا اقتصاديا واستراتيجيا. ولا يمكننا التغاضي كذلك عن شعور كثير من الناخبين بخيبة أمل من الأحزاب السياسية التقليدية.
وفي الإجمال تتجاوز هذه الظاهرة أوروبا، لأننا أمام أزمة معولمة جديدة، ناتجة في البداية عن تراجع النمو في كثير من البلدان وانعكاسات وباء “كوفيد”، وجاءت بعد ذلك التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا وأزمة تكلفة المعيشة.
ومن هذه الزوايا تراجعت الأحزاب اليمينية التقليدية وسجلت الأحزاب الشعبوية اختراقا عبر طرحها حلولا بسيطة إلى حد ما لهذه المشاكل شديدة التعقيد، مع دغدغة مشاعر الجماهير بوعود حماية الشعب والسيادة من التهديدات المبالغ بها أو المخاطر الحقيقية الآتية من “الخارج”.