جاء الإعلان الإماراتي الصادر في 31 مايو/أيار الماضي– حول إيقاف مشاركتها في القوة البحرية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، بهدف حماية حركة الشحن التجاري في مياه الخليج– دليلا آخر على استياء الجانب العربي في الخليج من السياسة الأمنية الأميركية في المنطقة. وبدا هذا الأمر لافتا للنظر لأن الإمارات كانت شريكا مقربا جدا من الولايات المتحدة الأميركية فيما مضى. واللافت أيضا، أن هذا القرار لم يتسبب في أي تداعيات تذكر في الإعلام الأميركي، أو المؤسسات المعنية بالسياسة الخارجية الأميركية.
يدور في أوساط المراقبين في منطقة الخليج سؤال عن مدى التغيير الحاصل في السياسة الأميركية منذ الحرب التي أطلقت لتحرير الكويت قبل 33 عاما. وجواب ذلك السؤال، هو أن بعض التطورات حصلت بالفعل في بعض المقاربات الأميركية، وأجبرت الولايات المتحدة على تطوير نهجها فهي لم تعد القوة العظمى الوحيدة في العالم، فاليوم في عام 2023، تمثل الصين تحديا ومنافسا حقيقيا. ومع ذلك، لا تزال أميركا ترى بأن لها مصلحة وطنية حيوية في موارد الطاقة في منطقة الخليج، ولسوف تعارض أي محاولة من قبل دولة معادية مثل إيران للاستيلاء على تلك الموارد. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن سياساتها لم تتغير كثيرا عما كانت في العام 1991. ويبقى هدف واشنطن ردع العدوان الإيراني، ولكن مع ازدياد التحديات الجيوسياسية التي تواجهها، فهي تحتاج إلى دعم دول الخليج العربي لضمان أمن المنطقة.
وسيستغرق بناء هيكلية جديدة للأمن الإقليمي تحت قيادة أميركية وقتا طويلا. وبالتالي، ما نشهده هو بداية انتقال منطقة الخليج من المظلة الأمنية الأميركية القديمة إلى هيكلية أحدث للأمن الإقليمي، تتضمن أنظمة ودولا أكثر.
يمكننا فهم الإحباط الذي تشعر به الإمارات، تماما كما يمكن فهم رغبتها في بناء شبكة سياسية ودبلوماسية أوسع. وتعلم واشنطن أن لدى دول الخليج خيارات أكثر في عالم متعدد الأقطاب، وتتقبل بناءها لعلاقات اقتصادية مع الصين الأكثر ديناميكية، إلا أن لديها خطوطا حمراء؛ فهي لن تقدم تعاونا عسكريا عميقا لدول تحاول الاستفادة من علاقات عسكرية وثيقة مع الولايات المتحدة والصين معا.
لا مزيد من الحروب البريّة في الشرق الأوسط
في بداية عام 1991، أخرجت القوات الأميركية الجيش العراقي من الكويت خلال أسبوعين فقط وذلك بعد قصفها لمواقع عراقية بغارات جوية وصواريخ لمدة استمرت خمسة أسابيع. ولقي أقل من 300 أميركي مصرعه في تلك الحرب. وأظهر استطلاع للرأي العام الأميركي في عام 2001 - أي بعد عشر سنوات من الحرب- أن 63 في المئة من الأميركيين كانوا ينظرون للجهود الأميركية بشكل إيجابي. واستمرت حرب العراق التي اندلعت عام 2003 لثمانية أعوام وليس لثمانية أسابيع. ولقي نحو 5000 أميركي حتفه في تلك الحرب، بالإضافة إلى مقتل عدد أكبر من ذلك من العراقيين بالطبع. وعلى عكس حرب عام 1991، لم تكن هناك مواكب انتصار عند عودة آخر الجنود الأميركيين من العراق في عام 2011.